من عاصفةِ الحزم.. إلى عاصفةِ الترفيه

المسيرة – د. عبد الرحمن المختار

ما كنتُ لأبدأُ بالجَـــرِّ لولا أن حالَ مَن زعموا الحزم، وادَّعوا العَصْفَ، بات مجرورًا، وكبرياؤهم باتَ انكسارًا، وأنَفَتُهم انبطاحًا، ومزعوم شجاعتهم ذُلًّا، وزيف نبلهم عارًا يلطخ وجوههم، من… إلى… بينهما مسافة زمنية قدرها عقدٌ من الزمن، بدأت في أوله أولى غارات حزم الطغاة على شعب الإيمَـان والنخوة والنجدة، ومسافة جغرافية طولية قدرها مئاتُ الكيلومترات، ومع ذلك قطعوا المسافات، وشنوا الغارات تلو الغارات بلا هوادة، وبدون سبب يذكر، يمكن توثيقُه للتاريخ، فلا بعير سُلبت ولا خيل نُهبت، ولا ناقة قُتلت، لا شيء يمكن تسجيلُه للأجيال!

واليومَ وجريمةُ الإبادة الجماعية تقترفُ أفعالُها القوى الإجراميةُ الصهيوغربية في قطاع غزة، منذ ثمانية أشهر هي المسافة الزمنية لاقتراف أول أفعال الجريمة؛ أما المسافة الجغرافية فهي (صفر) بين من سبق أن زعموا الحزمَ؛ لدَرْءِ الأخطارِ المحدِقة بالأُمَّة، وبالعصف جسَّدوا حزمَهم المزعومَ، لكنهم اليوم رغم ذلك لم يتحَرّكوا، لا بحزمٍ ولا بعزمٍ، لا بقولٍ ولا بفعلٍ! إنهم صامتون، بل في الجريمة مع المجرم مشتركون! ورغم أن أفعال جريمة الإبادة هزت مشاعر وضمير شعوب العالم، حتى تلك الشعوب التي تشارك أنظمتها الحاكمة في اقتراف الجريمة.

وبادرت دول أُخرى إلى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، رغم أنها لا ترتبط مع غزة لا جغرافيًّا ولا دينًا ولا لغةً ولا تاريخًا ولا مصيرًا مشتركًا، ولم تهز جريمةُ الإبادة الجماعية الطغاة من الحكام العرب المطبِّعين، واللاهثين للحاق بقطار التطبيع، ولم تحَرّك مشاهد الإبادة الجماعية اليومية للأطفال والنساء والشيوخ ضمائر ومشاعر الشعوب العربية حتى بالاحتجاج، ولو من باب رفع العتب، وإسقاط الواجب، هذه الشعوب التي يعتلي عروش الحكم فيها حكام مستبدون بشعوبهم، وطغاة في مواجهة إخوتهم من أبناء الشعوب العربية الأُخرى المناهضة للقوى الاستعمارية الصهيوغربية.

وأُولئك الحكام الطغاة المستبدون عندما يتعلق الأمرُ بأبناء جلدتهم، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لأتفهِ الأسباب؛ فيحرِّكون المدرَّعات، ويذخِّرون الطائرات، ويضربون الحصار، جَوًّا وبرًّا وبحرًا، ويرعدون ويزبدون، ولا يقبلون لا بتفاهُمٍ ولا بحلول وسط، ويتطرَّفون أيما تطرُّف، ويسرفون أيما إسراف في سفك الدماء، وتدمير العُمران، لا لسبب إلا تنفيذًا لأمر الغزاة؛ فيتحَرّكون، ولتبرير تحَرّكهم يستدعون كُـلّ مفردات النخوة والفزعة والشهامة والنجدة العربية، ويستدعون كُـلّ مفردات ومصطلحات الأمن القومي، والمخاطر المحدقة، والإنذار المبكر بوجوب التحَرّك السريع، لقمع تلك المخاطر وكبح جماحها، حتى لا يستفحل أمرها ويتفاقم خطرها.

ولا يعني أُولئك الحكام الطغاة ما قد يتعرض له شعبٌ بكامله من آثارٍ مدمّـِرةٍ ناتجةٍ عن القصف والحصار، لا الطفولة ولا الشيخوخة ولا متطلبات معالجة الأمراض المزمنة، لا شيء من ذلك يمكن أن يشفع لكل هؤلاء لدى الحكام الطغاة، ليسمحوا بتمرير ما هو مُلح من الاحتياجات، وكل ما يعني أُولئك الحكام الطغاة، هو الوصول إلى حالة الإذعان، وإعلان خصمهم الاستسلام، وإلا سيستمر التجويع والحرمان والحصار، والقصف والقتل والدمار!

 

جرائمُ لا تُنْسَى:

من نتحدث عنهم ليسوا من قصص التاريخ البعيد، أَو من أَيَّـام داحس والغبراء، إن من نتحدث عنهم، وعن طغيانهم وعن إجرامهم، لا يزالون اليوم في سدة الحكم، يمسكون بزمام السلطة في بلدانهم، ولم يغادروها، من نتحدث عنهم هم الحكام الأعراب طغاة قمة شرم الشيخ 2015، هم من أرعدوا وأزبدوا، هم من هدّدوا وتوعدوا، هم من أعدوا وحشّدوا، هم من توثَّبوا ولعاصفة طغيانهم نفَّذوا، هم من قصفوا ودمّـروا، هم من قتلوا وجرحوا، هم من حاصروا!

ولكي لا ننسى جرائمَ أُولئك الحكام الطغاة، وكِبْــرَهم وعنجهيتَهم، وتصميمَهم وإصرارَهم، وخطبَهم الرنانة في قمة شرمهم؛ فلنراجِعْ خُطبةَ كُـلِّ طاغية منهم، وفصاحتَه وعزمَه وإصرارَه؛ ولنقارْنْها بصمتِه وخرسِه اليوم! حينها قالوا: الخطر قادم من بعيد من الجنوب، واليوم الخطر جوارهم قريب، لكنهم لا يرون لا يبصرون لا يحسون.

لكن ما ذلك الخطر البعيد الذي قدِم من الجنوب قبل عقد من الزمان؟ وتسبب في تشنج وإصرار وعزم الحكام الطغاة على المواجهة والحزم؟ وما علاقته بالخطر القريب الذي لا يدركه الحكام الطغاة بجوارهم في غزة اليوم؟ ما الذي جناه شعب الإيمَـان ليتحزب عليه الطغاة العرب، ومن ورائهم طغاة الغرب، وليصبوا عليه أطنان من حمم النار؟ ما الذي اقترفه شعب الإيمَـان؟ وما الذي جناه بحق أُولئك الحكام؟ هل أباد أولادهم؟ أم أباد أحفادهم؟ أم إخوانهم أم أخواتهم؟ أم أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم؟ أم كُـلّ أقاربهم؟

لم يكن هناك من خطر قادم من الجنوب من شعب الإيمَـان! كُـلّ ما حصل أن شعبنا حذَّر وأنذر وبالحرية زمجر، وبطرد الغزاة الأمريكان رفع الصوت وكبَّر، هذا هو البيانُ أيها العربان لا شيء غيره، فلتعلمِ الأجيالُ أن هذا هو سببُ عدوان الطغاة من حكام العرب على يمن الإيمَـان، ولتعلم الأجيالُ أن شعبَ غزة، وشعبَ الإيمَـان في المظلومية صنوان، وأن الطغاة العربان موقفُهم تجاه شعب غزة علًنا هو الخذلان، وفوقه تقديم العون للصهاينة والأمريكان.

لا ندري حقيقةً لماذا لا يكرّر الإعلام التساؤل باستمرار عن شجاعة أُولئك الحكام قبل عقد من الزمان؟ حين أعلنوها مدويةً في قمة شرم الشيخ، وفي وقت لم تُسفَكْ فيه قطرة دم، مقارنة بدماء أهل غزة المسفوكة ظلمًا اليوم! حينها وبلا سبب يُذكر، أعلن تحالفهم على شعب اليمن العدوان! واليوم غزة تنزف، ويتمزق أطفالها أشلاءً، والحكام الطغاة لم يقرؤوا حتى العنوان! كرّر السؤال أيها الإعلام: يا طغاةَ شرم الشيخ أين هي خطبكم؟ أين هي شجاعتكم؟ أين هو أمنكم القومي الذي مِن أجلِه زعمتم أنكم تحَرّكتم؟ أين عزمكم؟ أين عاصفة حزمكم؟ كرّر السؤال أيها الإعلام! هل يُعقَلُ فعلًا أن تغضبوا كُـلَّ ذلك الغضب لمُجَـرّد أن شعبَ الإيمَـان حرّر أرضَه من الغزاة الأمريكان؟ هل يُعقل فعلًا أنكم اليوم تغضبون على شعب غزة؛ لأَنَّه قرّرَ العملَ على طرد الغزاة من أرضه؟ كرّر سؤال الشعوب العربية أيها الإعلام، هل يُعقل فعلًا أن تظلَّ مستعبَدةً لعبيد الصهاينة الأمريكان؟

 

صنعاءُ وغزة.. روابطُ مشتركة:

ليس من المبالغة القول إن سبب عدوان الطغاة العربان على شعب الإيمَـان، ولعقد من الزمان، هو طردُه للغزاة الأمريكان، وأن الجريمة في غزة اليوم تُقترف لذات السبب؛ فالحرب العدوانية على شعبنا صهيوأمريكية واجهتها الحكام الطغاة العربان، وجريمة غزة بعد انقلاب الصورة، واجهتها الصهاينة والأمريكان، وخلفيتها الحكام الطغاة العربان، وفي كُـلّ الأحوال، بمال العرب تُرتكب الجريمة في غزة اليوم، وبه شُنت الحرب قبل عشرة أعوام على شعب الإيمَـان! وبهذا المال يَسفِكُ الغازي الدمَ العربي في سوريا والعراق ولبنان وليبيا والسودان، وسابقًا وراهنًا في يمن الإيمَـان.

ولأجل مظلوميةِ غزة أيها الأحرارُ من رجال الإعلام، لا يكفي ترديدُ إحصائيات الشهداء والجرحى والمفقودين، بل لا بد من التركيز على فضح أدوار الطغاة من الحكام، ولا بد من أيقاظِ الشعوب من حالة السبات وإقامة الحُجَّـة عليها، قبل أن يتحَرّكَ الغازي ليفتكَ بها؛ فالغازي ليس بعيدًا عنها، إنه في عُقرِها، يشربُ ماءَها، ويأكل طعامها، ويتنفس هواءَها، ويستنزف ثرواتها؛ فإذا ما نضبت فلن يتردّد في سفك دمائها، ولن يكون هناك من يحول بينه وبينها، وأن ما أصاب أهل غزة اليوم، يقينًا غدًا سيصيبها، فليس هناك من روابطَ تربطُ الغازي المحتلّ بها؛ فهذا الغازي لم يأتِ حُبًّا وعِشْقًا لمناخ صحرائها، ولا للون بشرة أهلها، وإنما طمعًا في ما تجودُ به أرضها من سائلٍ أسودَ! فكرّر وحذِّرْ أيها الإعلام الشعوبَ من يوم يتحولُ فيه ما في بطن الصحراء من سائل أسودَ إلى سائل أحمرَ يُراقُ على ظهرها، وحينَها لن تنفعَها ولن تشفعَ لها عاصفةُ الترفيه، التي اجتهد الحُكَّامُ في توطينها؛ لصَرْفِ الشعُوبِ عن واجباتها وسلخِها من دينها!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com