أبعادُ ودلالاتُ استهداف “أم الرشراش” بصاروخ “فلسطين” الباليستي

المسيرة – نوح جلاس:

يوماً تلو الآخر، تحاصِــرُ القواتُ المسلَّحةُ اليمنيةُ، كيانَ العدوّ الصهيوني، بخياراتٍ عسكريةٍ تأخُذُ مساراتٍ متصاعدةً ضمنَ المرحلةِ الرابعة من التصعيدِ التي أعلنها القائدُ مطلعَ مايو الماضي.

وتؤكّـد العملياتُ -التي نفذتها اليمن خلال الثلاثة الأسابيع الأخيرة، وُصُـولاً إلى العملية الأخيرة التي نُفِّذت بصاروخ جديد ضرب عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة- أن الخيارات اليمنية المساندة لفلسطين آخذة في التصاعد حتى الوصول للخيارات المتقدمة فيما بعد “الرابعة”، والتي توعد بها السيدُ القائد، وأعلن قرب قدومها؛ بما يواكب متطلبات الردع ضد العدوّ الصهيوني المجرم، وذلك بعد أن نجحت القوات المسلحة اليمنية في تغطية متطلبات المراحل السابقة، على كامل مسرح عملياتها الممتد من بحر العرب، مُرورًا بالبحر الأحمر شمالاً والمحيط الهندي جنوباً، وُصُـولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.

وقبلَ أن يستيقظَ العدوُّ الصهيونيُّ ورعاتُه الأمريكيون والبريطانيون، من الصفعات التاريخية التي تلقوها في البحار المذكورة سلفاً، ومنها ضرب المدمّـرة الأمريكية “آيزنهاور” مرتَينِ، الأخيرةُ أصابت الهدف بدقة، وأسقطت أُسطورة واشنطن وثقبت بالونة هيمنتها المنفوخة بهواء الترهيب والابتزاز، تفاجأ ثلاثي الشرّ بصفعة جديدة طالت عمق الكيان الغاصب وتحديداً في منطقة “أم الرشراش”، غير أن هذه الصفعة حملت معها الكثير من الدلالات، أبرزها أن التصعيد اليمني القادم لن يكون مقتصراً على مستوى عدد العمليات وزخمها ونوعها وحجم نطاقها، بل إن هناك آفاقاً جديدة تعمل على ضوئها القوات المسلحة اليمنية لإدخَال كُـلّ الأسلحة اللازمة لضرب أي هدف معاد بالصواريخ البالستية القادرة على اختراق كُـلّ القطع الحربية الأمريكية والغربية، وُصُـولاً إلى وِجهتها في عمق الكيان المحتلّ، حَيثُ كانت العملية بصاروخ باليستي تم تجريبُه لأول مرة قبل الإعلان عنه؛ لتكون التجربة الأولى الناجحة في “أم الرشراش” مؤشراً على قدرة القوات المسلحة اليمنية على اختراق الدفاعات المعادية وإدخَال سلاحٍ بالستي يتجاوز القدرات الاعتراضية الصهيونية الأمريكية البريطانية، على غرار الصاروخ المجنَّح الذي تم تجريبُه لأول مرة مطلع مارس الماضي وحقّق إصابةَ الهدفِ بنجاح، وهنا معطيات تعزز قوة وفاعلية الردع اليمني وتأثيراته وتنويع متطلباته بما يربك العدوّ، وذلك بواسطة تنويع التكتيكات والأسلحة؛ بما يجعل الأعداء عاجزين عن اتِّخاذ خيار دفاعي ناجح وثابت.

المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، أطل مساء الاثنين، في بيان أعلن فيه عن عملية نوعية استهدفت من خلالها “القوةُ الصاروخيةُ في القواتِ المسلحةِ اليمنيةِ هدفاً عسكريًّا للعدوِّ الإسرائيليِّ في منطقةِ أم الرشراشِ جنوبيَّ فلسطينَ المحتلّةِ، وذلكَ بصاروخِ “فلسطين” الباليستيّ، والذي تكشفُ عنه القواتُ المسلحةُ اليومَ [ليل الاثنين/ الثلاثاء]، ولأولِ مرة”، فيما أكّـد العميد سريع أن العمليةَ حقّقتْ هدفَها بنجاح؛ لتثبّت القوات المسلحة معادلةً يمنية جديدة، تُنهِكُ الكيانَ الصهيوني ورعاته، في الوقت الذي ما يزالون تائهين في بحر من التكتيكات والمسارات القتالية التي تغطّي غالبيةَ بِحار المستديرة؛ فتنفيذ العمليات المركبة منذ مطلع الأسبوع الراهن عند استهداف عدة سفن ومدمّـرات وحاملات طائرات في الثلاثة البحار والمحيط الهندي وبأسلحة متنوعة وتكتيكات مشتركة بين وحدات القوات المسلحة، يجعل أمر التفادي والهروب من النار مستحيلاً لدى ثلاثي الشر؛ ما يجعلُ المراحلَ القادمةَ أكثرَ إيلاماً وفتكاً.

 

تأسيسٌ لمراحلَ بسقف عالٍ خارج التوقعات:

وفيما جدَّدَ العميد سريع، التأكيد على أن “القواتِ المسلحةَ اليمنيةَ مُستمرّةٌ -بعونِ اللهِ تعالى-، في تنفيذِ عملياتِها العسكريةِ؛ إسناداً ونُصرةً للشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ حتى وقفِ العدوانِ ورفعِ الحصارِ عنِ الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاعِ غزة”، فَــإنَّ جميع المراقبين يدركون حقيقة أن اليمن قد أسَّس فعلياً لمراحل تصعيد قادمةٍ تفوق توقعات الأعداء، بعد أن فاقت المراحل السابقة كُـلّ قدراتهم، حتى أصبحت واشطن عاجزة عن حماية بوارجها وسفنها وقطعها الحربية، وقد صارت أكثر عجزاً عن حماية كيان العدوّ الإسرائيلي المجرم.

المعطيات ونتائج العمليات الخمس الأخيرة، تؤكّـد أَيْـضاً أن اليمن بات قادراً على خوض مراحل التصعيد متقدمة على نقطة انطلاق مستوية وطرق ومسارات معبّدة، هي نتاج تطوير نوعي مُستمرّ في وقت قياسي، وجهود حثيثة على كُـلّ المستويات، وهي في نفس الوقت استباقية ومتقدمة بعدة خطوات عما يفكر ويخطط الأعداء، وهذا قد أكّـده التيه الأمريكي البريطاني الذي أظهر كُـلّ خيارات واشنطن ولندن بأنها لاحقة لخيارات القوات المسلحة التي تسير بسرعة فائقة، تعقّد الأمر أكثر على الأعداء، وذلك بعد أن كانت قوى الاستكبار هي من تملك عنصر المباغتة والمفاجأة والاستباقية، قبل أن تصير خياراتها لاحقة وبطيئة، لا تواكب استباقية وسرعة مسار الردع اليمني، وهنا يتضح حجم الانحدار الطارئ على الهيمنة الأمريكية العسكرية والأمنية والاستخبارية، والتي اتضحت أنها كانت عبارة عن صورة نمطية لدى المنبطحين، تمكّنت واشنطن من غرسها على هيئة قوة يستحيل الوقوف أمامها وليس إسقاطها، ليأتي اليمن من بعيد ويؤكّـد حقيقة هذه الهيمنة الهشّة.

 

خياراتُ اليمن متعددة وخيارُ الأعداء واحد:

وبالعودة إلى العملية الأخيرة التي استهدفت “أُمَّ الرشراش” جنوبي فلسطين المحتلّة؛ فَــإنَّ الجميع يدرك قدرة اليمن على تضييق خيارات النجاة لدى الأعداء وحصرها على خيار واحد فقط، هو وقف العدوان والحصار على قطاع غزة ووقف الإجرام في منطقة “رفح”، حَيثُ عززت العملية أوراق الضغط على العدوّ الصهيوني؛ فبعد الحصار البحري وما ترتب عليه من خسائرَ اقتصادية هائلة لدى العدوّ الإسرائيلي، ها هي القوات المسلحة اليمنية تعزِّزُ أوراقَها الضاغطة باستهداف حُرٍّ لعمق كيان الاحتلال؛ وهذا يمثل ضغطاً أمنيًّا على العدوّ ويسرّع عجلة الهجرة العكسية في صفوف “اللفيف البشري الإسرائيلي”، وقد يتطور الأمر قريباً إلى أن تجعل القوات المسلحة اليمنية، الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بيئةً طاردةً لقطعان المستوطنين، فضلاً عن أن هذا المسار الصاروخي قد يشكّل ورقة ضغط عسكريةً أَيْـضاً عند ضرب الأهداف العسكرية “الإسرائيلية” وتهشيم مراكز القوة الصهيونية، وفي المقابل أَيْـضاً تستطيع القوات المسلحة اليمنية من خلال الوصول الصاروخي إلى الأراضي المحتلّة، تضييق الخناق الاقتصادي على العدوّ بواسطة ضرب الأهداف الحيوية.

وعطفاً على أبرز جوانب العملية الأخيرة، فَــإنَّ دخول صاروخ “فلسطين” البالستي، وقدرته على الوصول لوُجهته في أول تجربة، يعني أن اليمن تأخذ مساراً متقدماً؛ تمهيداً لمراحلَ قادمةٍ ذات سقف عال وصفعات أقوى، حَيثُ لم تكتفِ القوات المسلحة عند مسار المواكبة ومتطلباته الرديفة، فبعد الإعلان عن صاروخ مجنَّح نجحت تجربته الأولى عند إطلاقه في مارس الماضي وقد حقّق هدفه بنجاح في “أم الرشراش” وتم استخدامُه في عمليات لاحقة ناجحة، عزمت القوةُ الصاروخية على إنتاج هذا الصاروخ “فلسطين”، وهنا تأكيد على كثرة المسارات التصاعدية والمتنوعة التي تعكف عليها القوات المسلحة حتى تمكّنت من تغذية تكتيكاتها وخططها في كُـلّ الاتّجاهات، ومن أهمها اتّجاه الإنتاج والتصنيع للصواريخ والطائرات المسيّرة لتغطية متطلبات العمليات المنفذة بشكل شبه يومي، ومن جهة أُخرى اتّجاه التطوير وتعزيز القوة بقدرات عالية؛ لتغطية المراحل المتقدمة القادمة.

وبناءً على كُـلّ المعطيات المذكورة آنفاً، والمعطيات غير المذكورة التي وردت في هيئة عمليات نوعية سابقة، يتأكّـد للجميع أن اليمن قد فرض معادلةً تسيرُ في مسارَينِ عكسيَّين:-

الأول تحلّق فيه عاليًا الخيارات اليمنية الرادعة والمساندة لفلسطين، وما تتطلَّبه من عدة وعتاد.

والثاني سقوطُ وتقهقر كُلِّ الخيارات المضادة التي يمتلكها ثلاثي الشرّ، والذي ما إن يزعم قدرتَه على الإبحار في جبهة بحرية معينة، حتى ينفتحَ أمامَه جحيمٌ جديدٌ في بحرٍ هنا ومحيط هناك، وهنا تتعدد خيارات اليمن، ويبقى خيارُ الأعداء واحداً لا ثانيَ له، وهو التخلِّي عن الإجرام في “غزة” العزة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com