الحجُّ إلى بيت الله الحرام إيمانٌ وأمان
ق. حسين بن محمد المهدي
إن اللهَ -سبحانه وتعالى- حكيمٌ في خلقه وتقديره، حكيمٌ في شريعته وأحكامه، حكيمٌ في جميع أقواله وأفعاله، حكيم في هدايته ورحمته، حكيم في أمره ونهيه وتشريعه.
فما شرعه الله من العبادات والمعاملات مبنية على الحكمة ولكن المنافقين لا يفقهون (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
لقد جعل الله لبني الإنسان في زحمة الصراع الذي يدور رحاه بينهم منطقة أمان يثوبون إليها؛ فهم بحاجة إلى توفيق الله وتسديده في منطقة آمنة لتحل الطمأنينة محل الخوف، ويحل السلام محل الخصام، وترفرف أجنحة من الحب والإخاء، فجعل للحرم المحرم حرمة، ولبيته العتيق قدسيته في منطقة الأمان.
إن اجتماعاً على توحيد الله وتعظيم شعائره، وأداء فريضة الحج ومناسكه في منطقة الأمان نعمة عظيمة ومنّة كبيرة (إِنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
إن توحيد الله والإخلاص له في العبادة في منطقة الأمان مما تسمو به النفس، فتبتعد عن الرذائل؛ ولهذا سأل الله نبيه إبراهيم أن يجعل مكة وما حولها بلداً آمناً (وَإذ قالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَأجنبنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأصنام).
إن الأمن النفسي في المنطقة الآمنة، وفي الزمن الآمن، وفي البلد المبارك، تتهيأ به القلوب للوحدة والإحساس أن الاجتماع على تعظيم شعائر الله وتوحيده يدفع إلى التآخي والتعاون؛ لأنه يعبر عن اجتماع الحجيج على توحيد الله وعبادته، وهو يرمز إلى وحدة المسلمين والعمل على طاعة الله الذي أمر بالوحدة والاتّحاد.
إن الاجتماع على الهدى والرشد والخير يقوم على الأخوة العامة والمودة الراحمة الذي تصفو به النفس وترقى لتصل بالملأ الأعلى وتستعد لنصرة دين الله وإعلاء كلمته.
لقد جعل الله بيته مباركاً وهدى، تهوى إليه الأفئدة ويعظم فيه بيت الله.
واعتبرت الشريعة الحج ركناً من أركان الإسلام؛ لأَنَّه يعتبر مؤتمراً عاماً لتوحيد غايات المسلمين، وتوجّـههم في أمور دينهم ودنياهم (إِنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ).
إن هذا الاجتماع الذي يشهد فيه الحاج منافع دينية ودنيوية ينبغي أن يترتب عليه قيام وحدة واتّحاد إسلامي في السياسة الخارجية في كُـلّ البلدان الإسلامية ليحصل توحد توجّـههم في سياستهم؛ فإذا حصل أي اعتداء على أي قِطر إسلامي فَــإنَّه
يعتبر اعتداء على ا لمسلمين جميعاً، اعتداء على الأُمَّــة كلها، وأن يوحدوا قوتهم العسكرية، وأن يتوحدوا في اقتصادهم ويمنعوا الربا كما فعل النبي -صلى الله عليه وآله- وأعلن ذلك للكافة، كما جاء في خطبة النبي في حجّـة الوداع (ألا وأن كُـلّ ربا في الجاهلية موضوع، وأن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبدالمطلب).
وهذا ما يشعر بضرورة وجود ارتباط نقدي بين الأقاليم الإسلامية يجعل التعامل بين المسلمين سهلاً، بعيدًا عن الربا، فيكون هناك نقد جامع للمسلمين جميعاً، وأن تزول الحواجز الجمركية والضريبية بين المسلمين؛ فوجود اقتصاد إسلامي سيرفع مكانة الأُمَّــة، ويقمع جموح عدوها.
إن الواجب على زعماء المسلمين أن يمنعوا إذلال المسلمين في أي قِطر إسلامي، وأن يضعوا الأسس لذلك في مؤتمرهم العام بالحج (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـة واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
إنما يحدث في فلسطين لا يجوز لأي مسلم أن يسكت عنه، بل يجب على الجميع أن يوحدوا وجهتهم نحو الجهاد، وأن يرشد الساسة إنفاق الأموال التي تستخرج من باطن الأرض على ما يعود نفعه للمسلمين، فقد أنصفهم القدر وجعل بلدانهم مليئة بالثروات، فلا يجوز أن تنفق الأموال على الترفيه ولا تنفق في سبيل الله.
ومن العجائب أن نرى من ينفق الأموال على اجتلاب الناس لمراكز اللهو فيحجون إلى مراكز الترفيه أضعاف أضعاف ما يحجون إلى بيت الله الحرام.
فموسم الحج فرصة لمراجعة النفس قبل أن يحصل الهلاك أَو يتبدل العز إلى ذل (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).