الحجُّ طهارةٌ وأمنٌ وسلام
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريبَ فيه أن مَن أطاع الله وأدى فرائضَه وحقوقه وواجباته جلّ وارتفع، وأن من عصاه واتبع هواه ضل واتضع.
فالدين أعظم حرز، والطاعة لله أتم عز؛ فكل عز لا يوطده دين فهو مذلة (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً).
لقد جعل الله البيت الحرام مثابة وأمناً، فالإنسان إذَا قطع في مسيرة حياته مرحلة وهو محافظ على إيمانه وطهارته وصلاته وصيامه واتجه لحج البيت العتيق في منطقة الأمان، فهو بحاجة إلى طهارة قلبية وطهارة بدنية، فلن يطوف بالبيت حتى يتطهر، ويكون مطمئناً آمناً في بلد أمين وحرم آمن (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ).
لقد أقسم الله بالبلد الأمين الذي جعله حرماً آمناً، فهو منطقة سلام وسماحة يثوب إليه الناس، ويقسطونها بالحج، فقد اقتضت حكمة الله أن تكون هذه المنطقة آمنة، ليس للإنسان فحسب بل للطير والحيوان.
ومن أهداف الحج، طهارة الإنسان من الذنوب، وتراجعه عن كُـلّ أمر يغضب الله.
فكان لا بُـدَّ من غرس حب السلام في النفوس واستئصال روح الكراهية والبغضاء ليعيشوا إخوة متحابين؛ ولهذا كان من دعاء الرسول حينما رأى البيت الحرام (اللهمَّ أَنْتَ السلامُ ومِنْكَ السلامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بالسلام، اللهمَّ زِدْ هَذَا البـيتَ تَشْرِيْفاً وَتَعْظِيْـماً ومَهَابةً، وزِدْ من حَجَّهُ أو اعْتَمَرَهُ تَكْرِيْـماً وتَشْرِيْفاً وتَعْظِيْـماً).
لقد خَصَّ النبيُّ -صلى الله عليه وآله- مَن حجَّ البيت أَو اعتمر بأربع دعوات وهي (التكريم، والتشريف، والتعظيم، والبر) فإذا طاف حول البيت وحاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه موحداً مكبِّراً، فإذا كان بين الركنين اليماني وركن الحجر قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
إن الحاج والمعتمر إذَا طاف بالبيت لا بدَّ أن يكون على طهارة اقتدَاء بهدي النبي الكريم الذي قال: خذوا عني مناسككم، فكان فعله بياناً لما أمر به؛ فالذي يؤدي الطواف كالذي يؤدي الصلاة لا بُـدَّ أن يكون متطهراً؛ فالبيتُ رمزٌ لعبادة الله وتوحيده، في الطواف تشبه بالملائكة الحافين حول عرش الله مسبحين ومهللين.
إن الحكمة من الطواف هو تعظيم الله وذكره، كما صح أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فلا تنسَ ذكر الله ولا تنسَ الدعاء؛ فالدعاء من جملة الذكر، وكلّ ذلك يتطلب الإخلاص لله، والاعتصام بحبله، والاتباع لهدي نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
إنما مدار صحة الأمور على الإخلاص، أما إذَا كان مِن أجلِ إظهار الشهرة والسمعة فذلك محبط للعمل، ففي الحديث النبوي (من سمَّعَ سمَّعَ الله به، ومن يُرائي يرائي الله به).
ثوب الريا يشف عما تحته
فإذا التحفت به فَــإنَّك عاري
فالريا يبطل العمل، ويقطع الأمل، ويدل على النفاق.
وحتى لا يكون العامل كما قال بعضهم:
أظهروا للناس نسكا وعلى المنقوش داروا
وله صلوا وصاموا وله حجوا وزاروا
وله قاموا وقالوا وله حلوا وساروا
لو غدًا فوق الثريا ولهم ريش لطاروا
إن ثناء الناس على من يتقن عمله، ويحسن صنعه، ويتقي ربه، ويحافظ على الواجبات، ويعظم شعائر ربه.
يحمل المؤمن على تحرير ولائه لله وحده (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ) فهو يستعد للجهاد في فلسطين ولا يوالي الصهيونية وأعداء المسلمين كما يفعل بعض الساسة (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
فلا يحل لدولة تؤمن بالله واليوم الآخر محسوبة على أنها دولة إسلامية، وهي تشاهد ما يحل بالفلسطينيين وغزة من الظلم ولا تعلن البراء من الصهيونية وتدعو إلى الجهاد فقد طفح الكيل، وكبر ظلم الفلسطينيين من قبل اليهود والموالين لهم وهذا أوان الجد.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).