باعتراف جواسيسها.. أمريكا خلفَ كُـلّ المؤامرات والمعاناة
المسيرة: خاص
نشرت الأجهزةُ الأمنية، السبت، سلسلةَ اعترافات جديدةٍ لخلية التجسُّس الأمريكية الإسرائيلية التي عملت طيلةَ عقودٍ لصالح واشنطن تحت عدةِ أغطية، في حين تضمنت الاعترافات سلسلةً من الأنشطة التي كانت تمارسُها الخلية في سياق استهداف الاقتصاد والتعليم ومؤسّسات البلاد السيادية والإيرادية؛ لتُظهِرَ الاعترافاتُ جانباً آخر من جوانب الاستهداف العدائي الأمريكي التي كانت تمارسُه واشنطن بواسطة اليافطات الدبلوماسية والإنسانية الزائفة.
وقد فضحت الاعترافاتُ بعضاً من الأنشطة الأمريكية العدائية في المجال التجاري، واستهداف الاقتصاد الوطني؛ بذريعة الإصلاح الاقتصادي، والممارسات العدائية الأمريكية ضد المجال المالي والمصرفي عبر استهداف وظائف البنك، والعملة الوطنية، والمؤسّسات الإيرادية، وكذلك استهداف قطاع الطاقة والمؤسّسات الخدمية السيادية الأُخرى، بالإضافة إلى استهداف الأجهزة الرقابية ووزارة التخطيط.
وقد أظهرت الاعترافات أن طبيعة العمل في الجانب الاقتصادي كانت تجميع معلومات عن القطاع الاقتصادي بشكل عام، منها: معلومات عن البنك المركزي ونشاطه، ومعلومات عن البنوك التجارية المختلفة والبنوك الحكومية، وكذلك تجميع معلومات عن النفط الشركات العاملة، ومعلومات عن وزارة المالية وعن مصلحة الجمارك والضرائب ووزارة الصناعة والتجارة والغرفة التجارية، بالإضافة إلى إنشاء شبكة علاقات وتجنيد مصادرَ مختلفة في كافة الوزارات والجهات الحكومية، بما يقوم بتزويد المعلومات للقسم الاقتصادي؛ وهو الأمرُ الذي يؤكّـد حجمَ التوغل الأمريكي في مفاصل الدولة، وخضوع الحكومات السابقة بشكل تام أمام كُـلّ هذه التحَرّكات التآمرية التي تستهدف اليمن أرضًا وإنساناً ومقدرات، وقد اعترف رئيس النظام العميل الخائن عفاش في مقابلته على قناة “الجزيرة” أنه كان على اطلاع تام وأشرَفَ على كُـلّ التحَرُّكات الأمريكية، سواء المباشرة أَو غير المباشرة بواسطة الخلايا والعملاء والجواسيس.
استهدافُ القطاع التجاري:
وفي مسار استهداف القطاع التجاري، أظهرت الاعترافات أن السفارة الأمريكية والعملاء والجواسيس التابعين لها، كانوا يعملون على ربطِ التجار اليمنيين بالسفارة الأمريكية وأنشطتها التجارية المختلفة حول العالم؛ بغرض ربط الشركات الأمريكية بالشركات اليمنية، في مسار خطير يهدف إلى تدفيق السلع والبضائع الأمريكية وإغراق الأسواق اليمنية بها، فضلًا عن عمليات التهريب المدمّـِرة.
وأشَارَت الاعترافاتُ إلى حجم التنسيق المعلَن بين السفارة الأمريكية والتجار اليمنيين من خلال إقامة مأدبات الطعام المعلَنة والواسعة بين التجار والسفير الأمريكي آنذاك، والذي كان يتحَرّك ويلتقي بكل فئات المجتمع اليمني، في حين أن الاعترافات نوّهت إلى أن أهمَّ الأهداف الأمريكية من خلال استهداف القطاع التجاري كان تفويجَ السلع الأمريكية إلى اليمن؛ لإلغاء الصناعات الوطنية وقتل المنتج الوطني، مشيرة إلى أن هذا المسار شمل جوانبَ حساسةً مثل الصناعات الدوائية والغذائية والإنتاجية، وقد أسهم هذا التحَرّك في قتل أبرز خطوط الإنتاج الوطنية التي توقفت منذ العام 2008، وهو العام الذي اعترف الجواسيسُ بأنه شهد حِراكاً استخبارياً كَبيراً من جانب أمريكا وعملائها.
وقد تحَرّك العملاءُ والجواسيسُ في متابعة أنشطة ومعلومات وأخبار القطاع التجاري في البلد سواءً القطاع الحكومي مثل وزارة الصناعة والتجارة أَو الغرفة التجارية أَو الشركات التجارية المختلفة مثل رؤوس المال التجارية والشركات التجارية الكبرى، وجمع معلومات عن القطاع التجاري؛ لمباشرة الخطط المرسومة أمريكيًّا لاستهداف هذا القطاع.
استهدافُ الاقتصاد الوطني:
وفي السياق، اعترف الجواسيس بعدد من التحَرّكات الأمريكية في تدمير الاقتصاد الوطني تحت عدة يافطات، كان أبرزها عنوان “الإصلاح الاقتصادي”، وهو مسارٌ تخريبي تضمن رفع الدعم عن المشتقات النفطية وتصفية مؤسّسات القطاع العام وخصخصتها وتمكين التجار من ممارسة الاستيراد والتصدير بدون أية قيود وشروط وتخفيض التعرفة الجمركية إلى أقل تعرفة ممكنة وكذلك تقديم تسهيلات ضريبة على المنتجات الأجنبية وتسهيل تحَرّكات رأس المال الأجنبي.
وأظهرت الاعترافات قيام الأمريكيين بتدريب ستين عنصرًا من جهات اقتصادية مختلفة من البنك المركزي والبنوك التجارية من بعض شركات الصرافة ومن وزارة المالية والمطار وبعض الجهات القضائية، تحت عناوين غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في سياق الاستقطاب المتواصل.
وكان أبرز مظاهر استهداف الاقتصاد الوطني، هو نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن، عبر نقل الشفرة بواسطة الجاسوس شايف الهمداني، فيما أظهرت الاعترافات أن واشنطن هي من موَّلت ونفَّذت وجنَّدت لهذا الاستهداف، وأتبعته بتحَرُّكاتٍ ميدانية لعناصرها لمتابعةِ تداعيات نقل البنك وسيرِ التجاوب من قِبَلِ البنوك الأُخرى.
كما دأبت واشنطن وخلاياها على تدمير العُملة الوطنية تحت إشراف ما تسمى “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” وذلك من خلال نشر العملة غير القانونية في المحافظات الحرة، وتشكيل عناصرَ لمتابعة سير هذا النشاط، بالإضافة إلى التحَرّكات في تهريب العملة الصعبة إلى خارج المحافظات الحرة ومن ثَمَّ إلى الخارج.
وفي السياق، اعترف الجواسيس بتحَرّكات أمريكا في استهداف المؤسّسات الإيرادية، وذلك من خلال تجنيد العديد من الجواسيس والعملاء في وزارة المالية ومصلحتَي الضرائب والجمارك؛ لتزويد الأمريكان بمعلومات عن هذه الوحدات؛ بغرض التلاعب في موازنات للتعليم والصحة بما يتواءمُ مع سير المؤامرات الأمريكية في هذه القطاعات الحيوية الهامة والحساسة.
وقد اعترف الجواسيس بأنه تم تكليفهم بجمع معلومات عن إيرادات حكومة الإنقاذ الوطني والموازنة العامة للدولة وكيفية إعدادها، ورصد مواردها؛ بهَدفِ إعداد الخطط اللازمة لاستهداف مصادر الإيرادات.
وفي السياق ذاته، اعترف الجواسيس بأنه تم البدء باستهداف الاتصالات واستهداف الضرائب والجمارك؛ وذلك بغرض تجفيف منابع الإيرادات الموجودة في نطاق حكم المجلس السياسي الأعلى؛ وهو الأمر الذي يؤكّـد أن كُـلّ الخطوات العدائية في المجال الاقتصادي خلال سنوات العدوان والحصار على اليمن كانت بتنفيذ وإشراف أمريكي مباشر.
وقد أكّـدت الاعترافاتُ إصرارَ أمريكا على تدمير قطاع الاتصالات وتسليمه لشركات أجنبية، كما هو حال الكهرباء والطاقة وغيرها، ليتأكّـد للجميع أن إجراءاتِ المرتزِقة القائمة في المحافظات المحتلّة تجاه هذه القطاعات، إنما هي استجابة عملية للتحَرّكات والموجهات والمؤامرات الأمريكية.
قطاعُ النفط أَيْـضاً كان على رأس قائمة الاستهداف الأمريكي، حَيثُ اعترف الجواسيس ببسطِ أمريكا كاملَ نفوذِها على الثروات النفطية والغازية، وامتلاكها معلوماتٍ عن هذين القطاعَينِ لا تمتلكها الدولة ذاتها.
وقد أكّـدت الاعترافات سعيَ واشنطن لحِرمان اليمنيين من هذه الثروات الواعدة عبر إحلالِ الشركات الأمريكية؛ لتقوم بمهام التنقيب والتصدير، ومصادرة أموال طائلة لصالح تلك الشركات؛ وهو ما تسبب بحرمان خزينة الدولة الكثير من المليارات، والتي كانت تذهبُ لصالح أمريكا وعملائها وأدواتها.
استهدافُ الأجهزة الرقابية والإحصائية:
وبغرض التغطية على كُـلّ عمليات الاستهداف التي طالت معظم مؤسّسات الدولة، حرص العدوّ الأمريكي على استهداف الأجهزة الرقابية، ومن بينها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
الجواسيس اعترفوا أن أمريكا كانت تنظر إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أنه من أبرز المؤشرات في موضوع قياس مدى تطور البلد ومكافحتها للفساد الحاصل في مؤسّسات الدولة، والبحث عن سبل التغطية على جوانب الفساد والإفساد المستشري بإشراف أمريكي؛ وذلك بغرض رفع وتيرة التدهور في الخدمات، فضلًا على التغطية على كُـلّ التحَرّكات الأمريكية الجارية في أهم مفاصل الدولة ومؤسّساتها ووحداتها الحيوية والحساسة.
ولفت الجواسيس ضمن اعترافاتهم إلى أن العدوّ الأمريكي كان مهتمًّا بموضوع معرفة نشاط وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء وما هو دور كُـلّ جهة من هذه الجهات سواء وزارة التخطيط؛ بغرض معرفة من هي الجهات الدولية التي تتواصل معها المنظمات الدولية التي لديها مشاريع، في حين كانت أمريكا على اطلاع دائم بنشاط الجهاز المركزي للإحصاء وقد توغلت بداخله؛ لتتمكّن من سرقة بيانات الإحصاء التي تصدر عن الجهاز بشكل متواصل وبشكل دوري؛ كون تلك البيانات كانت عبارة عن إحصاءات اقتصادية يتم استخدامُها في قياس أداء الاقتصاد ومدى تطوره أَو تدهوره.
وبشكل عام، فَــإنَّ الاعترافات التي أدلى بها الجواسيس، والتي ستنشُرُها صحيفةُ “المسيرة” في عدة حلقات، تُظهِرُ للجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية وسفيرها كانوا هم الحكامَ الفعليين في اليمن، وكان رئيس الدولة مُجَـرّدَ أجير يتم إسكاتُه بفتات من المال المنهوب، في حين أن الاعترافات تؤكّـد أن المعاناة التي يكابدها شعبنا اليمني منذ عقود، وُصُـولاً إلى سنوات العدوان والحصار والحرب الاقتصادية، كانت أمريكا هي من يقف خلفها، ويموِّلُ مؤامراتها، ويشرفُ على منفذيها، بل وينفذها بشكل مباشر على الأرض؛ ما يؤكّـد أن نشاط هذه الدولة في كُـلّ البلدان عبارة عن مسارات تآمرية تدميرية تحت يافطات دبلوماسية وإنسانية قبيحة.