اليمنُ يقتلعُ العينَ الثالثةَ للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية (2)
إبراهيم محمد الهمداني
لم تعد عين وصاية السفارات الأجنبية، قادرة على رؤية مسارات تسلطها وتسلطها وهيمنتها، كما عميت عين الترسانة الحربية الكبرى، عن الاستمرار في ممارسة هواية القتل والإرهاب والعربدة، وفي ظل الهزائم السياسية والعسكرية، التي لم تجد قوى الإمبريالية سبيلا لتفاديها، لجأت أنظار العداء الأمريكي الإسرائيلي، نحو العين الثالثة، وكثّـفت الجهود – مع شركائها – في توسيع شبكات التجسس والتخريب التابعة لها، في اليمن، وتزويدها بالمهارات والخبرات والتقنيات اللازمة، وتمكينها من ممارسة مهامهما العدائية -بحق اليمن أرضًا وإنسانًا- تحت غطاء صفاتهم الوظيفية، وأعمالهم في السفارة الأمريكية، أَو تحت مظلة الأعمال الإغاثية والإنسانية، التابعة لمنظمات دولية وأممية، من شأنها تسهيل مهام وتحَرّكات عملائها، وحمايتهم برداء حصانتها الدولية والأممية، ليكونوا بمنأى عن الملاحقة أَو الاستجواب.
لكن الأجهزة الأمنية اليمنية، أسقطت أوهام الحصانة الاستعمارية، وكشفت الكثير من شبكات التجسس، التابعة لقوى الهيمنة والاستعمار، أَو لعملائها في المنطقة، ونجحت العيون الساهرة اليمنية، في اقتلاع العين الثالثة للهيمنة الإمبريالية عامة، ممثلة في شبكات جواسيس وعملاء أجهزة المخابرات العالمية، وقد توالت الإنجازات العظيمة، في الجانب الأمني الشامل، بالتوازي مع الانتصارات السياسية، والضربات العسكرية النوعية المسددة.
أعلنت الأجهزة الأمنية – في صنعاء بتاريخ الاثنين، ٤ ذي الحجّـة ١٤٤٥ الموافق ١٠ يونيو ٢٠٢٤م – عن إنجاز أمني نوعي استراتيجي، ربما أمكن القول إنه يوازي في أهميته وعظمته، قيمة وعظمة ثورة ال ٢١ من سبتمبر ٢٠١٤م، بوصفه إضافة استراتيجية لها، واستكمالا لمهمتها ودورها العظيم، وقد تمثل ذلك الإنجاز الأمني الكبير، في إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية إسرائيلية، قامت بأدوار تجسسية وتخريبية، في مؤسّسات رسمية وغير رسمية، على مدى عقود لصالح العدوّ – كما جاء في البيان – “من خلال عناصرها المرتبطين بشكل مباشر، بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ال CIA”، [والموساد الإسرائيلي]، حَيثُ قامت الاستخبارات الأمريكية بتجنيد العناصر الرئيسيين في الشبكة التجسسية، “وعملت على تدريبهم استخباراتيا، وتزويدهم بتقنيات وأجهزة ومعدات خَاصَّة، تمكّنهم من تنفيذ أنشطتهم التجسسية والتخريبية، في الجمهورية اليمنية، وتسهل من نقلهم للمعلومات، إلى ضباط أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، بشكل سري”.
وللبيان بقية. نكتفي هنا بما أوردناه، للإشارة إلى عظمة هذا الانتصار الأمني الكبير، وأهميته في استكمال اجتثاث أذرع الوصاية الاستعمارية، وكل وسائلها وأدواتها، بعد خروج سفارة الإجرام الأمريكية، من صنعاء عام ٢٠١٥م، وفضح حقيقة الدور التدميري الهدام، الذي كانت تمارسه بشكل مباشر، ثم بشكل غير مباشر، عبر شبكاتها وعملائها، وأن دورها العدائي بحق الشعوب، هو ذاته في مختلف بلدان العالم، والبلد الذي تفقده أمريكا سياسيًّا أَو عسكريًّا، سرعان ما تستعيده استخباريا، بواسطة شبكات جواسيسها الواسعة.
بالإضافة إلى ذلك، تكمن أهميّة وتفرد هذا الإنجاز الأمني، في شمولية دور هذه الشبكة، واتساع نطاق استهدافاتها، التي شملت جميع مجالات وشؤون الحياة، بلا استثناء، من قِبل جواسيس على مستوى عال من التدريب والتأهيل والإمْكَانيات، استطاعوا على مدى عقود من الزمن، التأثير على مراكز صناعة القرار، السياسي والسيادي في اليمن، واختراق مؤسّسات رسمية وغير رسمية، وتنفيذ مشاريع الفساد والإفساد والتدمير الشامل، في جميع نواحي حياة المجتمع اليمني، يضاف إلى ذلك ارتباطهم المباشر، بأقوى أجهزة الاستخبارات العالمية، الأمريكية والإسرائيلية، وعملهم تحت مظلة المنظمات والشعارات الإنسانية، وهو ما لم يحد من جراءة الأجهزة الأمنية اليمنية، في القبض عليهم، وبث اعترافاتهم والتحقيقات معهم، على مختلف وسائل وقنوات الإعلام والتواصل، دون تردّد أَو خوف من أمريكا، وأخواتها وربيبتها “إسرائيل”، وهو ما لم يتجرأ على فعله، أي جهاز أمني على مستوى المنطقة والعالم.
وكعادتها سارعت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعلان براءتهم، رغم اعترافاتهم المعلنة، وطالبت بالإفراج عنهم، رغم عدم مشروعية طلبها، لتدينهم – بذلك – وتشهد على عمالتهم، وخيانتهم للأُمَّـة والدين، وبمُجَـرّد أن يقول الشعب كلمته فيهم، ستسارع بالتخلي عنهم، كما هي عادتها مع كُـلّ عملائها.
إن جوانب تميز وتفرد هذا الإنجاز الأمني كثيرة، وأكبر من أن يحيط بها مقال واحد، بل هي بحاجة إلى دراسة معمقة؛ لأَنَّ حقيقة إسقاط شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، لا يتوقف عند معنى القدرة على كبح جماحها الإجرامي، والحد من تداعيات مشاريعها الكارثية، على حياة أبناء الشعب اليمني، وإنما هو إسقاط – أَيْـضاً – لفعل الهيمنة والتسلط، وكسر لقاعدة الوصاية الاستعمارية الأمريكية الإسرائيلية، إلى الأبد – إن شاء الله تعالى – دون رجعة؛ وهو ما يؤكّـده الارتياح الشعبي، لهذا الإنجاز الأمني العظيم، الذي تحقّق بعون الله تعالى وفضله، وتعاون ويقظة ووعي أبناء الشعب اليمني المجاهد العزيز، الذي كان ولا زال السد المنيع في وجه كُـلّ المشاريع التآمرية والتخريبية، حسب البيان.