عــليٌّ (ع) إمامُ الإنسانية
منتصر الجلي
لطالما عاش البشر في ظِل حِقب مُتتالية ولها ما يُنظِّم شأنها ويُسيِّر أحوالها، وبذهاب أُولئك القوم أَو تلك الفترة الزمنية تصبح معالمها رسوم أطلال للذكرى وعلامة على الوجود.
أما ديننا الحنيف تكفل الله بحفظه وبقي تحفظه الأجيال وتنقله العصور، سنة الله في الحفظ والرعاية لكتابه؛ كونه خاتمة الرسالات وبقية التنزيل السماوي.
مع هذه الاستمرارية والحفظ الإلهي بقيت معالم الدين شاهدة على عِظم وسمو هذا المشروع الإلهي، بعيدًا عن التكهنات اللَّا إسلامية التي جاء بها المحدثون مع طليعة القرن المنصرم، تلك الدعاوى التي حرصت على تقنين فاعلية الإسلام كدين حضاري ورسم خارطة ضيقة أطلقوا عليها “الإسلام” تبرز الفاعلية والديمومة للإسلام من آيات القرآن الكريم، والنص النبوي الصحيح، ونهج الوصي الإمَـام عليّ (ع) هذه المحدّدات الثلاث مبدأ إلهي على ضوئها انطلق الإسلام يتربع البقاء والاستمرارية.
في ضوء ذلك يجدر بنا الوقوف على أحد هذه المحدّدات الثلاث منها، تلك منهجية الإمَـام عليّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- منهجيته التي على ضوئها سارت حكومته العادلة، تلك العدالة التي يحتم على العالم اليوم أن يصرخ بملء فيه: (علي إمام الإنسانية).
منهجيته -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- اتصفت بمؤهلات جعلت منها مدرسة حاضرة متجددة للإسلام والعالمية؛ كونها لم تأتِ حصراً على واقع إسلامي قُيد بقيود الحصر الماضي، لحينها فقط، بل كانت مبادئ وأسس وتعاليم لا تدركها عوامل الزمن وغيرها، فالشمولية صفة هامة أكسبت تلك التعاليم الجدية والبقاء، والنفعية المُستمرّة.
كما نجد من وحي خطاب سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الصلاحية المطلقة لأقوال الإمام وحكمه وتعاليمه، فلا يمكن أن نجد لها صلاحية في إطار وغير صالحة في آخر، منفي هذا عنها بل صالحة زمكانية؛ أي للزمان والمكان، وللحالات المختلفة؛ كونها تعاليم نبوية بذرتها الأولى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ألقى كُـلّ تلك المفاهيم والتعاليم للإمَـام عليّ (ع) وهنا فلا تناقض بين ما تضمنته الحكم البلاغية ورسائل للإمَـام عليّ وبين منهجية النبي، بل اكتسبت الفاعلية وحظيت بالبقاء، وهذه محصلة واحدة فقط من المحصلات العامة لما أسسه الإمام الأعظم.
في حين نجد محورية تلك البلاغة العلوية من أحكام وأسس ومبادئ محورها الأول إقامة العدل، العدل في معناه الحقيقي وتطبيقه العملي، يُلحظ ذلك من رسائل الإمام إلى عماله وخاصته، والمعايير التي اعتمدها لهم في إدارة شؤون الحكم والرعية، وما يجب لهم والواجب عليهم.
كما كانت الرعية السند الأول الذي انطلقت عليه كُـلّ تلك التعاليم والخطابات، كما هي جلية اليوم في محاضرات سماحة السيد عبد الملك يحفظه الله، كون الرعية والعامة عاملاً مهماً للإصلاح والعدل، وفي صلاحهم صلاح الأمر واستقامة الحق، هذا جانب ومن جانب آخر مثلت الرعية والأمة القائم عليها معياراً لمدى الالتزام والتطبيق الإيماني من قِبل الولاة والحكام ومحدّداً أَسَاسياً لصلاح ذلك المسؤول أَو فساده.
إنه البحر الذي لا يمكن لغوَّاصه أن يُدركه، تلك التعاليم والدُرر البلاغية التي أَسَاسها صلاح الشأن وسعادة الحياة، ومما تميزت به منهجية الإمَـام عليّ (ع) أَيْـضاً أنها للإنسانية قاطبة، متى كانت وأين ما وجدت.. لذلك يمكننا اليوم كأمة إسلامية وأتباع للإمَـام عليّ، دحض النظريات التي يتصنع بها الغرب، هيئات ومنظمات، ودول وزعامات، كُـلّ ما بين أيديهم من دراسات ومنهجيات تربوية وسياسية، وقانونية لا تُعدُ شيئاً أمام الحقيقة الكبرى للإسلام في منظومته الشاملة والإمَـام عليّ في تعاليمه ورسائله الإنسانية العامة.
لذا ينبغي للدارسين ومراكز البحوث الإسلامية العودة للإرث الإسلامي الصحيح المتمثل في الإمَـام عليّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-؛ كونه إرثاً صالحاً لسير الحياة ونجاة الإنسانية.