نافذةٌ على جرائم وانتهاكات كيان الاحتلال الإسرائيلي للقوانين الدولية الإنسانية والعُرفية في الحرب على غزة
غزة صدمة إنسانية كبرى، ومــآسٍ لن تنــمحي..
المسيرة| عبدالقوي السباعي
أحدثت الحربُ العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة صدمةً إنسانية كبرى، وأوجــدت مــآسيَ يصعــُبُ أن تُــمحى من الـوعي الجمـاعي لجـُلِّ شـعوب العالـم، التي تتابع تفاصيل هذه الحرب وتطوراتها في لحظات وقوعها، ورأت بأعينها الفظائع والجرائم التي تم ارتكابها سواءً عبر القصف الجـوي والبري والبحـري الكثيف والمتواصل للمناطـق المكتظة بالسكان، أَو الاجتياح البري الغاشم لكل أنحاء القطاع، بجحافل الدبابات والمدرعات والجرافات، مستهدفةً المدنــيين من نساء وأطفال وكبار سن فضلاً عن الأطباء والمسعفين والإعلاميين، وغيرهم من الفئات التي تجرم القـوانين الدولية استهدافهم في الحروب؛ إضافة إلى ما تم تدميره من المنازل والمشافي والمساجد والكنائس والمدارس والمخابز والأسواق والمتاحف، وغيرها مــن المباني التي يمنع استهدافها من قبل القوات العسكرية عند اندلاع الحروب.
في هذه النافذة نتعمق في هذا الحدث المأساوي، لكشف السلوك الحربي القبيح والمروع وغير المسبوق الذي يشهده العالم على مدى تسعة أشهر ونصف، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ التي خالفت القوانين الدولية المتفــق عليها للحد من أضرار الحرب؛ وانتهكــت كُـلّ القواعد التي حظرتها القوانين الإنسانية والعرفية أثناء القتال؛ وبيان أبرز جرائم العدوان الصهيوني والانتهاكات التي ارتكبت في هذه الحرب الظالمة.
جماعات من الناس أبيدوا حرفياً بقطاع غزة (37718) شهيدًا:
في الإطار، أكّـدت مقرّرة الأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة، “تلالنغ موفو كينغ”، أن جماعات من الناس أبيدوا حرفيًّا بقطاع غزة، وأنه لا يمكن استخدام أي تعبير آخر إلا “الإبادة الجماعية” لوصف ما يحدث.
وقالت “موفو كينغ” اليوم الجمعة، على هامش مشاركتها بالدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف: إن “الناس في غزة يحاولون البقاء على قيد الحياة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله حقًّا”، لافتة النظر إلى أن “سكان غزة تدهورت صحتهم النفسية وأنهم يعانون من صدمة أكثرَ خطورةً؛ نتيجة للقصف الإسرائيلي المُستمرّ”.
وأشَارَت إلى أن المعلومات عن الوضع الأخير للمرافق الصحية في غزة لا تزال تأتي من منظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الأُخرى في هذا المجال.
وأكّـدت “عدمَ قدرة المستشفيات في غزة على تلقي الإمدَادات الطبية والأدوية الأَسَاسية، وقتل ومضايقة العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء أداء واجبهم، يجعل الاعتداءات على الحق في الصحة أكثر وضوحاً”، لافتةً، إلى أنها “لا تستطيع توقع المدة التي ستستغرقها إعادة بناء البنية التحتية الصحية في القطاع”.
وأوضحت المقرّرة الأممية، أهميّة تقديم الحجج على أن ما حدث في غزة هو “إبادة جماعية” ثم محاكمة الأشخاص على جرائم معينة في محكمة العدل الدولية.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ 266 تواليًا حربَ الإبادة الجماعية على قطاع غزة، تزامنًا مع قصف واسع على مختلف أنحاء القطاع، لا سِـيَّـما في مدينتَي غزة شمالًا ورفح جنوبًا.
وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي المُستمرّ على قطاع غزة منذ الـ 7 من أُكتوبر الماضي، إلى 37 ألفًا و718 شهيدًا، بالإضافة لـ 86 ألفًا و377 مصابًا بجراح متفاوتة بينها خطيرة وخطيرة جِـدًّا.
الاحتلال يستخدمُ كلابه البوليسية لترويع الفلسطينيين ونهشهم بشكلٍ ممنهجٍ:
قال المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان: إن “استخدام الجيش الإسرائيلي الكلاب البوليسية لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين خلال عملياته الحربية في قطاع غزة، إلى جانب استخدامها في ترويع ونهش واغتصاب الأسرى والمعتقلين في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية يعد سلوكًا ممنهجًا ومتبعًا بشكلٍ واسع النطاق”.
وأفَاد المرصد، بأن فريقه الميداني وثّق عشرات الحالات التي استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة، لا سِـيَّـما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء.
وأوضح أن استخدام الكلاب ضد المدنيين يأخذ عدة أشكال، منها استخدامها بعد وضع كاميرات مراقبة على ظهرها في استكشاف المنازل والمنشآت قبل مداهمتها، فيما تهاجم هذه الكلاب بشكل متكرّر مدنيين وتنهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد الجيش الإسرائيلي الذين غالبًا ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ومن ثم يستهزئون بهم، بحسب الإفادات.
وأكّـد أن استخدام الكلاب خلال مداهمة المنازل أمر بات منهجيًّا من الجيش الإسرائيلي، مبينًا أن حادثة الاعتداء الأخيرة، على المسنة الفلسطينية “دولت الطناني” التي انتشر مؤخّراً مقطع مصور لنهش كلب لها في مدينة غزة ليست حالة منفردة، وأن حالتها برزت؛ كونه صادف توثيقها بمقطع فيديو ونشره.
وقالت “دولت الطناني” (60 عامًا): “كنتُ نائمة في منزلي الذي رفضت أن أغادره بعدما توغل الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا، واستيقظت على صوت قوات إسرائيلية دخلت منزلي بعد تفجير في الجدار، وخلال لحظات هاجمني كلب على ظهره كاميرا وبدأ بعضي ونهشي كتفي ووصلت أنيابه إلى عظمي، وسحبني إلى الخارج، كنت أصرخ بشدة والجنود يضحكون ولم يقدموا إليّ أية مساعدة أَو علاج، وبعد أن استمر الكلب في نهشي وأنا أصرخ تدخل أحد أقاربي الذي كان في المنزل ودفع الكلب بعكازه.
وأضافت: “كنت أنزف بشدة واستطاع قريبي إغلاق باب الغرفة وصرخ على الجنود لمساعدتي دون جدوى، فعمل على وقف نزيف الدم بغطاء الرأس، وفي اليوم التالي نقلت إلى مستشفى “اليمن السعيد” ومنه إلى مستشفى “كمال عدوان” و”العودة”، ولكن الخدمات الصحية كانت محدودة وعملوا لي جبيرة وحتى الآن أعاني من هذه الإصابة”.
استخدامُ الكلاب البوليسية للاغتصاب:
في السياق، أكّـد المرصد “الأورومتوسطي” أنه وبحسب ما وثَّقه فريقه؛ فقد كان أخطر وأكثر أشكال استخدام الكلاب البوليسية فظاعة وبشاعة ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين دون أية قيود أَو محظورات، وصلت إلى حَــدّ استخدامها في اغتصاب أسرى ومعتقلين على مرأى زملاء لهم، ضمن جرائم العنف الجنسي المنهجي ضد الأسرى والمعتقلين، والذي اشتملت على التعرية والتحرش الجنسي أَو التهديد بالاغتصاب واستخدام آلات حادة ووضعها في مؤخرات أسرى ومعتقلين.
وأبرز المرصد شهادات قاسية من معتقلين مفرج عنهم، تؤكّـد الدور الوحشي وغير الإنساني في استخدام الجيش الإسرائيلي للكلاب لاغتصاب الأسرى والمعتقلين، منها شهادة المحامي “فادي سيف الدين بكر” المفرج عنه في 22 فبراير الماضي، بعد اعتقال دام 45 يوماً، وغيرها من الشهادات التي توثق الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين وترويعهم والاعتداء على كرامتهم وتعمد إلحاق الألم والمعاناة الشديدة لديهم على هذا النحو، يصل إلى حَــدّ ارتكابها لجرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاغتصاب والعنف الجنسي الخطير، وهي جرائم قائمة بحد ذاتها وتقع ضمن نطاق جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب نظام روما الأَسَاسي للمحكمة الجنائية الدولية.
“ضربٌ وتجويعٌ واغتصاب”.. انتهاكاتٌ وحشية بحق الأسرى في سجون الاحتلال بالضفة:
تتوالى التقارير بشأن الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، التي تصاعدت وتيرتها منذ الـ7 من أُكتوبر الماضي، موديةً بحياة الكثير منهم.
وأفَاد بيان صادر عن اللجنة الأممية للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، أمس الأول، بأن الأسرى من رجال ونساء يتعرضون للتحرش والاعتداء والترهيب باستخدام الكلاب، إضافة إلى منعهم من التواصل مع أسرهم أَو اللجنة الدولية للصليب الأحمر أَو التمتع بالضمانات القانونية التي يوفرها لهم القانون الدولي.
وباعترافاتٍ منهم، نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية عن مصادر أمنية لم تسمها، قولها: إن “مصلحة السجون الإسرائيلية تخفي معلوماتٍ حول كمية الطعام المقدمة للأسرى الأمنيين منذ بدء الحرب” على قطاع غزة.
وأضافت المصادر أنه “جرى توجيه انتقادات حادة إلى مصلحة السجون في عدة مناقشات مغلقة عقدت مؤخّراً، عقب الالتماس الذي قدمته جمعية الحقوق المدنية (غير حكومية)، ونوقش يوم الأربعاء الفائت، في المحكمة العليا”.
وأشَارَت الصحيفة إلى أنه، “قدم الالتماس بعد تلقّي عشرات الإفادات من أسرى ومعتقلين أمنيين غير منتمين لحركة حماس، بأنهم فقدوا عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم، بعد أن قلص جهاز الأمن الإسرائيلي تناولهم للطعام بشكلٍ كبير، لدرجة التجويع”.
وقالت الصحيفة: إن “بن غفير، زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف، تفاخر في أكثرَ من مناسبة بالأشهر الماضية بأنه يقف وراء خفّض حصصَ الغذاء التي تقدم للأسرى الفلسطينيين”.
وفي الأسابيع الأخيرة جرى تداولُ صور العديد من الأسرى الفلسطينيين الذين فقدوا أوزانهم بشكلٍ ملحوظ بعد أشهر قليلة من اعتقالهم.
إلى ذلك، أشَارَت تقاريرُ حقوقية أَيْـضاً، إلى أن غرفَ السجن تعاني اكتظاظاً كَبيراً، كما يجدُ الأسرى صعوبةً بالغة في الاستحمام؛ ففضلاً عن انعدام وجود مياه ساخنة، ومواد للنظافة الشخصية، وغياب الملابس الداخلية والخارجية، فَــإنَّ المدة المُعطاة لكل معتقل لكي يستحم لا تتعدى الدقيقتَينِ لمرة واحدة في الأسبوع على أحسن حال؛ ما تسبّب بظهور فطريات على أجسام بعضهم، ويرافق كُـلَّ ذلك تراكُمُ النفايات داخل الغرف؛ بسَببِ غياب أدوات ومواد التنظيف.
في السياق ذاته، أوضح بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين (حكومية) ونادي الأسير الفلسطينيّ (غير حكومي)، أن “عدد الشهداء في السجون والمعسكرات الإسرائيلية الذين أعلن عنهم منذ بدء حرب الإبادة، من المؤسّسات المختصة بلغ 18 شهيداً على الأقل، إلى جانب العشرات من معتقلي غزة الذين ارتقوا في سجون ومعسكرات الاحتلال، ولم يفصح عن هُــوِيَّاتهم”، حتى الآن.
وأشَارَ البيانُ إلى أن “جريمةَ التّعذيب كسياسة شكّلت أَسَاساً للبنية الاستعمارية الإسرائيلية، وقد مارَسَ الاحتلالُ هذه الجريمة نهجاً، وعمل على تطوير العديد من الأدوات والأساليب لترسيخها تعدّت التعريف الذي اعتمدته المنظومة الحقوقية الدّولية لجريمة التعذيب”.
ولفت إلى أن “شهاداتِ المعتقلين تشير إلى استخدام أساليب التّعذيب النفسيّ والجسديّ، التي تبدأ فعلياً منذ لحظة الاعتقال الأولى من خلال طريقة الاعتقال الوحشية وعمليات الترهيب الممنهجة، والضرب المبرّح، والتقييد الذي يتعمدون من خلاله التسبب بألم شديد في أطراف المعتقل”.
وتشير الشهادات إلى “التعرض لاعتداءات جنسيّة بما فيها جرائم الاغتصاب، وقد تسببت عمليات الضرب المبرّح والتّعذيب الشديد، إلى جانب استشهاد أسرى ومعتقلين، بإصابة المئات من المعتقلين بكسور تحديداً في الأضلاع، وتركهم من دون علاج”.
واستناداً إلى معطيات هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين (رسمية)، فقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية أكثر من 9400 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية المحتلّة، منذ بداية الحرب في 7 أُكتوبر الماضي، بما لا يشمل عمليات الاعتقال في قطاع غزة.
557 ألفَ امرأة في غزة يواجهن انعداماً حادّاً بالأمن الغذائي:
في الإطار، قالت هيئةُ الأمم المتحدة للمرأة: إن “ما لا يقل عن 557 ألف امرأة في غزة يواجهن انعداماً حاداً للأمن الغذائي، وأن الوضع مقلق بشكلٍ خاص بالنسبة للأُمهات والنساء البالغات، اللاتي غالبًا ما يعطين الأولوية لإطعام الآخرين ويواجهن صعوبات أكثر من الرجال في الحصول على الطعام.
وذكرت الهيئةُ الأممية، في تقرير لها، أمس الخميس، أن ذلك الوضع يُجبِرُ الكثيراتِ على تخطي وجبات أَو تقليل ما يتناولنه لضمان إطعام أبنائهن.
وأضافت أن الأعباء الملقاة على عاتق النساء أثناء الصراعات تزداد ويُقيد وصولهن إلى الخدمات، وتُعرض صحتهن وأمنهن الغذائي للخطر، كما تزداد مخاطرُ تعرضهن لكل أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ووفق إحصاء أجرته مؤخّراً في أنحاء قطاع غزة، حدّدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة خمس حقائق توضح كيف يؤثر انعدام الأمن الغذائي على النساء في غزة:
وتكافح النساء لحماية رفاه أطفالهن الجسدي والنفسي، بينما يتحملن مزيدًا من مسؤوليات الرعاية والمسؤوليات المنزلية وخَاصَّة في الخيام والمنازل المكتظة.
وقد ذكر 70 % من المشاركين في الاستطلاع من النساء والرجال، أن رعاية الأطفال بما في ذلك إطعامهم ورعايتهم الجسدية هي مسؤولية الأم بشكل رئيسي، مُشيراً إلى أن “انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية” منتشران في غزة، في 7 من بين كُـلّ 10 نساء.
وتواجه النساء الحوامل والمرضعات مخاطر صحية عالية؛ بسَببِ عدم توفر الرعاية الصحية والتغذية الكافية، وأن 76 % من النساء الحوامل مصابات بفقر الدم، و99 % يواجهن تحديات في الوصول إلى الإمدَادات التغذوية والتكميلية؛ بما يهدّد صحة الأُمهات والمواليد، وأن 99 % يواجهن تحديات في تأمين ما يكفي من لبن الأم، بما يعرض للخطر بقاء الطفل على قيد الحياة.
أكثر من 625 ألف طفل في غزة حُرموا من الدراسة لأكثر من 8 أشهر:
في السياق، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، اليوم الجمعة: إن “أكثر من 625 ألف طفل حرموا من الدراسة لأكثر من 8 أشهر جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة”.
وأوضحت الوكالة – على منصة (إكس) – أن أكثر من 625 ألف طفل في غزة باتوا خارج المدرسة لأكثر من 8 أشهر، بينهم 300 ألف كانوا من طلبة مدارس الأونروا قبل العدوان.
وأكّـدت أن “أنشطة اللعب والتعلم التي تقدمها فرق الأونروا مهمة في إعداد الأطفال للعودة إلى المدرسة واستعادة حقهم في التعليم”.
وكانت الوكالة الأممية أكّـدت مطلع يونيو الجاري، أن “الأطفال في غزة يمرون بكابوس لا نهاية له”، موضحةً أن “القصف والتهجير القسري ونقص الغذاء والماء وعدم الحصول على التعليم تسبب بصدمة لجيل بأكمله”.