من أطاع الله مَلَكَ ومن أطاع هواه هَلَكَ
ق. حسين بن محمد المهدي
العدل ميزان الله وضعه للخلق ونصبه للحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه، (والسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ، أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) (لَقَدْ أرسلنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
من استعمل العدل في مملكته مع إخوانه وجيرانه وأبناء زمانه حصن الله ملكه، ومن استعمل الظلم عجل الله هلكته.
فمن حسنت سيرته وجبت طاعته، ومن خبثت سيرته زالت قدرته، فمن طال عدوانه زال سلطانه، (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً).
البغي يصرع الرجال، ويقطع الآجال، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنفسكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ومن (بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ).
فالبغي مصرعه وخيم: “لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكاً”.
فالبغي قبيح ومرتكبه سخيف، من شأن العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، ويديم الاسترشاد، ويترك الاستبداد، فمن استشار العاقل فيما يأتيه، واسترشد العالم فيما ينويه صلحت له الأمور وصلح به الجمهور.
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي لبيب أَو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فريش الخوافي قوة للقوادم
بالشورى تبنى المجتمعات الفاضلة والدول القوية ويحصل النصر وتستمال القلوب، ويتعاون أهل الشورى، ولأهميتها يقول الحق: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
إن للشورى في اتباع الحق ومعرفته أهميّة كبيرة، فهذه ملكة سبأ حينما استخدمت الشورى نجحت وقد حكى الله عنها (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) فنجحت في أمرها.
أما من اتبع هواه فهو يصير في طريق الخداع والتضليل.
لقد عني الإسلام بالتحذير البالغ من اتباع الهوى والانقياد الأعمى لوحيه، فذم على العاكفين عليه انحرافهم.
ترى فأين الشورى وأين اتباع الحق ممن قعدوا عن مناصرة فلسطين اتِّباعًا لأهوائهم (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأنفس).
إنه يجب على زعماء الأُمَّــة وقادتها إن يطهروا أنفسهم وسلوكهم من الأغراض الخفية والأهواء الدفينة، وأن يحرّروا عقولهم من الانقياد للأهواء، فقد نعى الله على من لا يستجيب له (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
إن من يريد الحق ونصرته لا بُـدَّ من أن يتبع هدى الله ويبحث عن ذلك في حكمه، ففي الحديث “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به” “ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه”.
إن التشاور في الأمور المهمة مطلوب، فما تشاور قوم إلّا هدوا إلى أرشد أمورهم، ففي الحديث “من أراد أمراً فشاور به مسلماً وفقه الله إلى أرشد أموره”.
وقد أمر الله نبيه بالمشاورة (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللّه).
إن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله بالمشاورة، وهو أرجح الناس عقلاً، وأزكاهم خلقاً، فالأمر في حق غيره من قادة المسلمين أولى وأوجب، فصيغة الأمر تدل على الوجوب، ولم نسمع أن زعيماً أَو رئيساً أَو ملكاً أَو أميراً من الدول المتخلفة عن القتال في فلسطين قد استشار العلماء، مع أن الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر بملكه من استغنى برأيه.
يا قادة الأُمَّــة وزعماءَها فلسطين الجريحة تستغيث وتنادي وأنتم مسؤولون أمام الله فسارعوا إلى نصرتها تظفروا بخير الدنيا والآخرة.
فهذا قائد المسيرة القرآنية وأنصار الله وحزبه يخوضون المعركة ضد الصهيونية ولم يزدهم ذلك إلا عزاً وشرفاً في الدنيا والآخرة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).