فورين بوليسي”: اليمنيون أثبتوا أنهم قوةٌ هائلة وكشفوا عدمَ كفاءة القوى البحرية الغربية
المسيرة | خاص:
أكَّـدَت مجلةُ “فورين بوليسي” الأمريكية أن الولاياتِ المتحدةَ وبريطانيا والقواتِ الغربيةَ فشلت فشلًا واضحًا في مهمَّةِ مواجَهَةِ العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة، وأن هذا الفشل كشف بشكل جلي عدمَ كفاءة القوات البحرية الغربية وأثار تساؤلات حول جدواها في أية حرب مستقبلية مع المنافسِين الرئيسيين كالصين، لافتة إلى أن اليمنيين بالمقابل أثبتوا أنهم قوة هائلة تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة ومذهلة، واستطاعوا فرضَ واقع جديد أصبح على الجميع التكيُّفُ معه.
ونشرت المجلة مساء الاثنين، تقريرًا مطولًا، أكّـدت فيه أنه بعد أكثر من سبعة أشهر من بدء العمليات اليمنية البحرية، أصبح من اللازم التكيُّفُ مع وضع طبيعي جديد، أصبحت فيه التأخيرات والاضطرابات والتكاليف المرتفعة أسوأ، وذلك “على الرغم من جهود القوات البحرية الأميركية والبريطانية والأُورُوبية التي كانت متواجدةً على طول الساحل في محاولة لتحييد التهديد، لكن بلا جدوى”.
واعتبرت المجلة أن “حقيقة أن القوى البحرية الرائدة في العالم تبدو وكأنها تكافح لردع اليمنيين تثير تساؤلات مؤلمة حول جدوى وكفاءة القوى البحرية الغربية التي يفترض أن تتحمل العبء في أية مواجهة مستقبلية مع منافس رئيسي مثل الصين، حَيثُ تعترف البحرية الأمريكية بأنها تخوضُ أشدَّ المعارك شراسة منذ الحرب العالمية الثانية”.
ونقل التقرير عن سيباستيان برونز، الخبير البحري في مركَز الأمن البحري الاستراتيجي ومعهد السياسة الأمنية في جامعة كيل في ألمانيا: “لقد أثبت الحوثيون أنهم قوة هائلة، إنهم جهة فاعلة تمتلك ترسانة أكبر، وهي قادرة حَقًّا على إحداث صداع للتحالف الغربي، هذا هو المستوى الأعلى في الوقت الحالي، وعندما تواجه القوات البحرية مشكلة في الاستدامة على هذا المستوى، فَــإنَّ الأمر مثير للقلق حَقًّا”.
وَأَضَـافَ برونز: “يتمتع الحوثيون بمستوىً مذهلٍ حقًّا من العمق في مخازنهم من الصواريخ والقذائف والصواريخ الباليستية المضادة للسفن، إنه أمر رائع حقًّا، وطالما استمرت الحرب بين “إسرائيل” وحماس، فَــإنَّ لديهم سببًا وفرصة ليكونوا مصدر إزعاج”.
وذكر التقرير أنه “لم يكن من المتوقع أن تستمر هذه الاضطرابات طويلاً، وخَاصَّةً بعد وصول القوات البحرية الغربية إلى الساحة لاستعادة الأمن؛ فقد انخفضت أقساط التأمين على شركات الشحن قليلًا عندما تم الإعلان عن النشر المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا، واستقرت تكاليف الشحن في الربيع، على الرغم من الحملة الجارية، ولكن بعد ثمانية أشهر، أصبح تعطيل الشحن فجأةً أسوأَ بكثير؛ ففي أواخر يونيو، أغرقت الهجماتُ اليمنية سفينة ثانية وألحقت أضرارًا بسفينة أُخرى”.
وقال التقرير: إن “قائمة الهجمات الناجحة أصبحت مثل التراتيل منذ بداية العام؛ والتصريحات العامة للقيادة المركزية الأمريكية أشبه بقرع طبول شبه يومي لتقاريرَ عن سفن أمريكية تضرب طائرات بدون طيار وصواريخ وسفنًا سطحية غير مأهولة، واليمنيون -الذين استخدموا الصواريخ المضادة للسفن بفعالية كبيرة- يستخدمون الآن بشكل متزايد المركبات السطحية غير المأهولة”.
وأوضح التقرير أنه “نتيجة لهذا، ارتفعت تكاليف حاوية الشحن من نحو 1600 دولار في المتوسط إلى ما يزيد على 5000 دولار، وفقًا لمؤسّسة ستاندرد آند بورز، وأصبحت الأسعار الآن أعلى مما كانت عليه في ذروة الذعر في البحر الأحمر في وقت سابق من هذا العام”.
ونقلت المجلة عن كريس روجرز، رئيس أبحاث سلسلة التوريد في شركة (إس آند بي جلوبال ماركت إنتليجنس) قوله: إن “تحويلَ مسار سفينة الحاويات حول إفريقيا يزيد من التكلفة المباشرة للشحن بإضافة 10 أَيَّـام، والكثير من الأميال، والكثير من الوقود إلى الرحلة، لكن المشكلة الكبرى هي أن هذا يقَلِّلُ فعليًّا من القدرة المتاحة على النظام بأكمله بنحو 6 في المِئة”.
وأوضح التقرير أن “الموانئ من آسيا إلى أُورُوبا إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة أصبحت مكتظة بشكل كبير؛ مما أَدَّى إلى تراكم هائل للسفن المنتظِرة، كما تعمل شركات الشحن وتجار التجزئة عن غير قصد على جعل الأمور أسوأ، من خلال تحميل الطلبات الأكبر حجمًا لموسم العطلات؛ للتأكّـد من حصولهم على بضائعهم؛ مما يزيد من إلحاق الضرر بسوق الشحن المتوترة بالفعل”.
وقال روجرز: “إن سلاسل التوريد تتعافى بمرور الوقت، لكن الأحداث لا تختفي بين عشية وضحاها، وقد يستغرق هذا التأثير السلبي ستة أشهر إلى عام حتى يظهر”.
وأكّـد التقرير أن “محاولة القوات البحرية الأمريكية والبريطانية ومجموعة متناوبة من السفن الأُورُوبية لاستعادة حركة الشحن الطبيعي منذ بداية الحملة اليمنية كانت تقريبًا دون نجاح يُذكَر، وهو يتضح من حقيقة أن أسعار التأمين على تغطية الحرب للسفن التي تخاطر بالمرور عبر الممر الخطير لا تزال أعلى بنحو 1000 % عن مستويات ما قبل الصراع”.
وَأَضَـافَ أن “إحدى شركات التأمين أطلقت تأمينًا خاصًّا ضد الحرب هو الأول من نوعه، هذا الربيع، للناقلين الذين لا يمكنهم الحصولُ على تغطية، وهي علامةٌ أكيدة على أن الوجود البحري الغربي لم يجلب الهدوءَ إلى الأسواق”.
ونقل التقرير عن أودون هالفورسن، مديرِ الأمن والتخطيط للطوارئ في رابطة مالكي السفن النرويجية ونائبِ وزير خارجية النرويج السابق، قوله: إن “هذه الأقساط المرتفعة تصل إلى حوالي 1 % من قيمة سفن الشحن الضخمة في هذه الرحلة الخطرة، لكن السفن التي تتعرض بالفعل للاستهداف هي تلك المرتبطة بـ “إسرائيل” أَو الولايات المتحدة أَو دول أُخرى يُنظر إليها على أنها تدعمُ إسرائيل”.
وأكّـدت المجلة أن “الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لإضعاف قدرة الحوثيين على استهداف السفن، انتهت إلى لُعبة مكلفة، فقد أثبت الحوثيون أنهم أكثر قدرة على الحركة، وأفضلُ إمدَادًا مما كان متوقعًا في البداية؛ مما يجعل الانتصارات العرضية التي حقّقتها البحريةُ الأمريكية ــ مثل تدمير موقع رادار الأسبوع الماضي ــ مُجَـرّد قطرة في بحر” بحسب تعبير التقرير.
وبحسب التقرير فقد “تسببت عمليات النشر والاعتراضات المُستمرّة في تآكل مخزونات البحرية الأمريكية، وقال مساعدو الكونجرس إن الولايات المتحدة لا تنتج ما يكفي من صواريخ الدفاع الجوي القياسية التي تستخدمها سفن الحراسة الأمريكية في البحر الأحمر لإسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ الحوثية”.
ونقل عن أحد المساعدين في الكونغرس قوله: “طالما ظل معدل الاستنزاف مرتفعًا بشكل حاد كما كان هناك، فنحن في وضع أكثر خطورة”.
وأشَارَ التقرير إلى أن “تكلفة هذه الصواريخ باهظة أَيْـضاً، والبحرية الأمريكية تبحث مع مورِّدين مثل رايثيون، عن بدائلَ أقدمَ وأرخصَ لاستخدامها ضد الأسلحة اليمنية الرخيصة، مع الاحتفاظ بالصواريخ المتطورة لاستخدامها في حرب مستقبلية محتملة مع الصين”.
ونقلت المجلة عن سيث جونز، نائب الرئيس الأول ومدير برنامج الأمن الدولي في مركَز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: “مع بعض الصواريخ الباليستية أَو الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ستحتاج إلى قدرات متطورة، ولكن بالنسبة للطائرات بدون طيار، فلن ترغب في إهدار أكثر من مليون دولار من الذخيرة الأمريكية عليها”.
وقالت المجلة: “إذا حكمنا من خلال النتائج -حَيثُ تستمر السفن في تحويل مسارها، وتظل أقساطُ التأمين مرتفعةً- فَــإنَّ النهج الأمريكي لم يحقّق ما كان يهدف إليه”.
ونقل التقريرُ أَيْـضاً عن أليسيو باتالانو، الخبير البحري في كلية “كينجز” بلندن، قوله: إنه “بعد أشهرٍ من العمليات، إذَا لم يغيِّر الحوثيون سلوكَهم وما زالت مخزوناتهم موجودةً وهم قادرون على الحركة؛ فقد حان الوقت للتساؤل: هل ينبغي لنا حَقًّا أن نفعل هذا؟”.
واعتبر التقريرُ أن سحبَ حاملة الطائرات “روزفلت” لتحل محل “آيزنهاور” “يشير إلى مشكلة أُخرى تشعر بها بشكل خاص القوات البحرية الأُورُوبية، وهي عدم امتلاك ما يكفي من السفن للقيام حتى بالمهمة المحدودة التي حدّدتها للقيام بها، فقد أمضت الفرقاطة الألمانية (هيسن) بضعة أشهر في البحر الأحمر قبل أن تتعثرَ في محاولة فاشلة لإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار أثناء وجودها هناك، ولا يوجدُ ما يكفي من السفن؛ للحفاظ على نوع الغطاء المُستمرّ من المحيط الهندي إلى قناة السويس الذي سيكون ضروريًّا لجعل مرافقة الشحن ممكنةً”.
وأشَارَ إلى أن “الفشلَ الواضِحَ” للمهمة الأمريكية والأُورُوبية في البحر الأحمر لم ينجحْ في إقناع السفن المستهدَفة بالعودة إلى تلك “المياه الخطرة”.