استئنافُ المفاوضات مع الرياض فشلٌ للمؤامرات الأمريكية على اليمن
محمد علي الحريشي
بعد أن توقفت المفاوضات اليمنية السعوديّة -التي كانت تجري بوساطة عمانية- بعد عملية (طوفان الأقصى) التي اندلعت في السابع من أُكتوبر العام الماضي، ودخول اليمن سياسيًّا وعسكريًّا ومعه العراق ولبنان كطرف رئيسي في المعركة إلى جانب المقاومة الفلسطينية، عادت المفاوضات اليمنية السعوديّة تشق طريقها من جديد بوجود الوفد اليمني المسؤول عن ملف التفاوض في العاصمة العمانية مسقط، وما بين فترتَي التوقف واستئناف التفاوض، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً شديدة ومؤامرات عديدة؛ بهَدفِ عرقلة الحوار اليمني السعوديّ وإفشاله حتى تظل المنطقة مشتعلة بالحروب لتنفيذ أجندات تخدم الكيان الصهيوني وتخدم المجمع الصناعي الأمريكي الذي يجني مئات المليارات من الدولارات من صفقات الأسلحة التي تباع لأنظمة البترودولار في المنطقة، لقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً شديدة على أنظمة المنطقة الخليجية والعربية للحيلولة دون دخول اليمن في عملية (طوفان الأقصى)، منها محاولة تكوين (تحالف الازدهار) ضد اليمن، راهنت أمريكا على دخول مصر والسعوديّة في التحالف البحري؛ لأَنَّ بقية الأنظمة الخليجية والعربية يمكن أن تتشجع وتدخل في التحالف، الذي راهنت عليه أمريكا لتحييد اليمن في عملية (طوفان الأقصى)، وبالتالي يحقّق العدوّ الصهيوني وبدعم أمريكي وتحت غطاء الدعم الغربي والدعم العربي أهدافه في القضاء على المقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزة، كان الرهان الأمريكي الكبير هو على دخول الجيش المصري في التحالف ضد اليمن بذريعة الدفاع عن مصالحها الاقتصادية في قناة السويس، فقدمت عروضاً اقتصادية مغرية للنظام المصري مقابل دخوله في التحالف ضد اليمن، منها إعفاء مصر من ديونها التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات وضمان تدفق مليارات الدولارات من الأنظمة الخليجية إلى السوق المصرية لتحسين الأوضاع الاقتصادية المصرية، لكن كان للحكومة وللجيش المصري رأي آخر، فقد رفضت مصر تورط جيشها وقواتها البحرية في مواجهة عسكرية مع اليمن خدمة للكيان الصهيوني.
فشل تحالف الازدهار الأمريكي ضد اليمن هو النقطة المفصلية في عملية (طوفان الأقصى) برمتها وفي تاريخ الهيمنة الأمريكية على العالم؛ لأَنَّ هذا الفشل هو أول فشل سياسي وعسكري تواجهه أمريكا في تاريخها العسكري منذ الحرب العالمية الثانية؛ هذا يعنى أن أنظمة المنطقة الخليجية والعربية الذين يعتبرون حلفاء لأمريكا وتابعين لها قد خرجوا -إلى حَــدّ ما- عن بيت الطاعة الأمريكي، الفشل السياسي والعسكري الذي واجهته أمريكا ليس بالأمر السهل الذي تتقبله العقلية الأمريكية المتغطرسة، ترتب على ذلك فشل أهداف العدوان الأمريكي الصهيوني على المقاومة الإسلامية الفلسطينية، حاولت أمريكا اللجوء إلى تحالفها الأطلسي الأُورُوبي فكونت تحالفاً عسكريًّا بحرياً آخر ضد اليمن أطلقوا عليه مسمى صليبياً عنصرياً استعمارياً «اسبيديس» ليستنهضوا الحس القومي الصليبي الأُورُوبي الغربي ضد المسلمين، ذلك التحالف تعاملت معه آلة الدعاية الإعلامية الأمريكية الغربية بطريقة مفرطة وفجة وضخموه أكبر من حجمه، كانت أهداف الحملة الإعلامية الأمريكية موجهة ضد اليمن ليتراجع عن مواقفه المناصرة للمقاومة الفلسطينية، وموجهة إلى حلفاء أمريكا في المنطقة ليتراجعوا عن عدم مشاركتهم في «حارس الازدهار» وموجهة إلى المقاومة الفلسطينية لهزيمتها نفسياً، ورفع معنويات الجيش والمستوطنين الصهاينة الذين ملوا من طول مدة العملية العسكرية في غزة دون أن تحقّق أية أهداف للعدو المحتلّ، الشيء الأهم الذي غاب عن أمريكا هي المواقف اليمنية تجاه التحالفات العسكرية والحملات الإعلامية ضد اليمن، هل سوف تؤثر في المواقف اليمنية أَو تحقّق تراجع وخوف وعدم مقدرة الجيش اليمني في مواجهة تحالف عسكري غربي في البحر الأحمر؛ فوجئت أمريكا بل العالم أجمع بالمواقف اليمنية الثابتة مع الحق الفلسطيني، راهنت أمريكا على عدم مقدرة الجيش اليمني في مواجهة الجيوش الغربية، فكانت أول مواجهة عسكرية بحرية هي مقياس اختبار للطرفين الأمريكي واليمني فكانت مواجهة حاسمة كسب جولاتها اليمن، الذي فاجأ أمريكا والعالم بتصاعد مواجهاته العسكرية مع التحالف الغربي الجديد وتوسيع نطاق ضرباته العسكرية لتصل إلى ميناء أم الرشاش في جنوب فلسطين المحتلّة، رغم الدفاعات الجوية الأمريكية والغربية والصهيونية الكثيفة، فشل تحالف «اسبيديس»؛ لأَنَّ معظم الدول الأُورُوبية لم تكن مقتنعة بالتحالف الجديد ضد اليمن خدمة للأجندات الأمريكية وخدمة لطموحات حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، حتى دخول معظم الدول الأُورُوبية في التحالف كان بشكل رمزي؛ لأَنَّ دول أُورُوبا كانت منهكة ومستنزفة من قبل أمريكا في حربها المجنونة مع روسيا في أوكرانيا، فالاقتصاد الأُورُوبي هو من دفع ثمن الحرب في شرق أُورُوبا خَاصَّة في مجال الطاقة، فالدول الأُورُوبية لا ترغب في التورط بحرب بحرية جديدة خاسرة ضد اليمن، جغرافيتها البحر الأحمر الذي يعتبر الشريان الاقتصادي الرئيسي للدول الأُورُوبية، انتهى ذلك التحالف وَلم يبق فيه إلَّا القطع البحرية الأمريكية التي تلقت ضربات وقصف الطيران المسيّر والصواريخ الباليستية البحرية والجوية والصواريخ المجنحة والقوارب المفخخة اليمنية، حتى أضخم حاملات الطائرات الأمريكية «آيزنهاور» خرجت مهزومة من مسرح عمليات البحر الأحمر، وبذلك فشلت أمريكا وبانت أمام العالم أنها القشة الضعيفة التي تكلم عنها ذات يوم السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- وقال: «أمريكا قشة ضعيفة»، اليوم قد حصحص الحق وأمام النظام السعوديّ فرصة تاريخية لعودة تفاهماته مع القيادة اليمنية لوضع حَــدّ لعدوانه، واستكمال مشروع الوساطة العمانية والإسراع في تنفيذها على أرض الواقع دون مماطلات.
أمام النظام السعوديّ ملفات لا تقبل التأجيل والمماطلة، وهي استحقاقات مثل الورقة الاقتصادية والمرتبات والأسرى والمحتجزين وعودة الإعمار والتعويضات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية وغيرها من الاستحقاقات، الرسالة التي حملها وفد بعثة الحج اليمنية إلى النظام السعوديّ قد وصلت، وما حوار مسقط بين الوفدين اليمني والسعوديّ إلا نتيجة مباشرة وثمرة من ثمار وفد بعثة الحج الذي ضم كبار قيادات الدولة اليمنية، لعل النظام السعوديّ فضل هذه المرة إبعاد الإعلام عن لقاءات الوفد اليمني مع المسؤولين السعوديّين، اليوم هناك حركة سياسية أمريكية مضادة للقاء اليمني السعوديّ في مسقط يقوم بها المبعوث الأمريكي في المنطقة، لكن تلك الحركة لن تثمر عن شيء ولن تحقّق النجاح المطلوب؛ ولهذا على النظام السعوديّ إثبات رغبته بإحلال السلام في اليمن ومعالجة الأوضاع الاقتصادية بشكل سريع حتى يتحقّق الأمن والسلام في المنطقة.