جريمةُ القرن تُنتِجُ نهضةَ القرن
بلقيس علي السلطان
وضع المستعمرون الطغاة بصماتهم الإجرامية في كُـلّ بلد اجتاحوه واستولوا عليه، فما بين إعدامات وتعذيب وتعزير وتنكيل لكل من يقف أمام مخطّطاتهم وعرقلة أهدافهم الاستعمارية إلى انتهاك الأعراض وَالاغتصابات، وانتهاء بالمجازر الكبيرة والمروعة التي تعكس وحشية الطغاة وخبثهم ونزعتهم الشيطانية المُجَـرّدة من الإنسانية، ومن ذلك ما فعلته فرنسا عند استعمارها للجزائر ولدول إفريقية أُخرى، وما فعلته بريطانيا التي احتلت السواد الأعظم من العالم، وما فعلته كذلك أمريكا في إبادتها للهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا وغيرها من الدول الاستعمارية كألمانيا وإيطاليا التي عملت على فرض هيمنتها وقمع الشعوب بأساليبهم الإجرامية الخبيثة.
وليس بمستغرب أن هذه الدول هي نفسها من تقود الاستعمار الجديد وتقف وراء “إسرائيل” ذلك الكيان الذي زرعته أمريكا في قلب الدول العربية؛ مِن أجلِ تحقيق أهدافهم الاستعمارية التي تهدف إلى بسط هيمنتها ونفوذها في المنطقة واستغلال موقعها الجغرافي وثرواتها الكبيرة التي تمكّنها من أن تكون من الدول الكبيرة التي لها ثقلها وكلمتها في العالم، وكذلك تنفيذ المخطّطات الصهيونية التي تطمح أن تكون لها دولة باسطة ذراعيها من النيل إلى الفرات كما يزعمون، وإزاء ذلك كان لا بدَّ للصهاينة من الاستعانة بدول لها تاريخ دموي وإجرامي عريق فكانت بريطانيا هي الدولة التي أتكأ عليها الكيان الغاصب في بداية نشوئه والتي مهدت للكيان الطريق على نهر من الدماء ومجازر يندى لها الجبين ومنها مجزرة صابرا وشاتيلا الذي راح ضحيتها أكثر من ٣٠٠٠ إنسان في هذه المخيمات.
وما إن دخلت أمريكا في خط الداعمين للكيان الغاصب حتى زادت وحشية الكيان الغاصب وزادت أطماعه في المنطقة بتوسيع احتلاله واستعماره للمناطق العربية، ضارباً بالاتّفاقيات الدولية عرض الحائط لضمانه الدعم من الدول التي تمتلك نقض الفيتو في مجلس الأمن وأهمها أمريكا وبريطانيا، حتى وصل الدعم الأمريكي إلى إعلان القدس عاصمة لـ “إسرائيل” في صفقة خيانة سميت بصفقة القرن.
لم تكن صفقة القرن هي المسمى الوحيد الذي اكتفى به الصهاينة بل عمدوا إلى تسمية جديدة أكثر خبثاً وهي (جريمة القرن) فعلى مدى ما يقارب التسعة أشهر منذ بدء عملية (طوفان الأقصى) ينفذ الصهاينة بمساعدة المجرمين التاريخيين على شن حرب ظالمة لم يسبق لها مثيلاً في التاريخ، جرائم مختلفة ومجازر بشعة واعتداءات بلا قيود، جريمة القرن تسجل في اليوم الواحد عشرات الضحايا جلهم من الأطفال والنساء وبصورة بشعة يصعب وصفها، فما بين جثث مقطعة إلى أُخرى متفحمة، وما بين جثث كان قدرها الغارات الجوية إلى أُخرى تم تفخيخ مربعاتهم السكنية إلى آخر تم قنصه واستهدافه، ومن بقي منهم حياً يبقى مصيره الجوع أَو النهش من قبل كلابهم البوليسية والانتظار لمصير لا يعلم نهايته!!
هؤلاء هم دعاة السلام والإنسانية على مدى عشرات السنين، عشرات من السنين وهم يتشدقون بهذه العناوين الزائفة التي جاءت الأحداث لتثبت بطلانها وكذبها فأين حقوق الأطفال من أطفال يموتون حرقاً وقتلاً وجوعاً؟!
وأين حقوق المرأة من نساء تغتصب وتقتل وتطلق عليها الكلاب لتنهش لحمها دون النظر حتى لكبر سنها، وكذلك حوامل تبقر بطنها ويتفحم جنينها ويموت طفلها بين أيديها جوعاً؟
وأين حقوق الإنسان من الإنسان الفلسطيني الذي يأكل أعلاف الحيوان ولا يعلم بأي نهاية سينتهي جسده، هل قنصاً أم بغارة أم بتفخيخ منزله أم سيكون أسيراً يلاقي صنوف العذاب؟
وأين حرية الرأي من قمع التظاهرات وقمع الحريات وإجبار الجامعات على اضطهاد الطلاب وفصلهم لمُجَـرّد أنهم صدقوا أنهم في بلد الحريات وفي بلد السلام فصدمتهم مشاهد الإبادة في فلسطين فخرجوا يعبرون عما لم يستطع بعض العرب والمسلمين التعبير عنه؟
إنها بحق جرائمُ القرن التي لن يوقفها عند حدها سوى نهضة القرن، التي ينهض بها المجاهدون في محور المقاومة والأحرار في العالم، ومنها نهضة المجاهدين في اليمن الذين أوقفوا الهيمنة الأمريكية عند حدها، بفضل الله وبفضل القيادة الحكيمة والأحرار من الأُمَّــة، لا يكاد ناطق الجيش اليمني أن يهدأ ما بين بيانات عسكرية لعمليات كبيرة تردع الطغاة المستعمرين، وبين تصنيع عسكري حديث يكشف عنه بعد إثبات جدوائيته في الميدان، فمن غواصة إلى زورق مفخخ إلى صاروخ دقيق عمله أسرع من صوته، إلى مسيرات جماهيرية كبيرة تعلن تفويضها لقائدها ومباركتها لجيشها ورفضها لهيمنة الشيطان الأكبر وصارخة في وجهه وكذلك مستنكرة للجرائم التي يقوم بها الكيان الغاصب ورعاته.
هذه هي نهضة القرن التي تنامت طردياً مع جريمة القرن، فكلما زاد المجرمون من بغيهم وطغيانهم ورفضهم لوقف الحرب والحصار على غزة كلما نهض الأحرار بوسائل وتطويرات عسكرية وتكتيكية توقف الكيان عند حده وتكبده خسائر يمكن تسميتها بخسائر القرن؛ فموسوعة جينيس لم يخطر في بالها أن تفرد خانة لسفن تغرق وتحرق، لكنها لا بدَّ لها أن تفرد مكاناً لتسجيل الانتصارات الساحقة للأعداء، وما ذلك على الله بعزيز، والعاقبة للمتقين.