الأنصار المجتمع المختار
أم المختار مهدي
دعا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قومه للإيمان بالله الواحد ونبذ ما دونه من آلهة، فلم يؤمن معه إلى القليل وكفر الكثير من مجتمع مكة بعد دعوة طالت لعدة سنوات.
مكة بمقامها وقداسيتها ومركزها الديني عند العرب وتميزها بالخروج عن نفوذ السيطرة للقوة الكبرى في ذلك الزمن كان من المفترض أن تكون عاصمة الدولة الإسلامية ومنطلق لتبليغ الرسالة الإلهية، إلا أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- هاجر إلى المدينة ليقيم دولة إسلامية فيها ويبلغ الناس جميعاً رسالة الله وينشر الدين في كُـلّ الأرض؛ لأَنَّ مكة لم تعد بيئة صالحة لأن تكون حاضنة للمشروع الإلهي ومؤمنة بالرسالة الإلهية وتقدم النموذج في أوساط المجتمعات الأُخرى؛ فقد فقدت الصلاحية لحمل المشروع الإسلامي العظيم نتيجة العوائق التي منها:
إن مجتمع مكة مجتمع طماع مادي يرتبط بأصحاب السلطة والثروة ويرتبط بالملأ المستكبر ويتأثر بهم، فتوجّـه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- للهجرة إلى المدينة ليؤسس لمرحلة جديدة مهمة جِـدًّا، انبنت فيها الأُمَّــة وتأسست ككيان عظيم في مجتمع الأنصار الأوس والخزرج الذي امتلك المؤهلات لحمل المشروع الإلهي المجتمع الذي استقبل الرسول وآمن به ونصره واستجاب له وحمل راية الإسلام، وقد أنزل الله بحقهم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْـمُفْلِحُونَ).
كان مجتمع الأنصار مجتمعًا معطاءً ليس طامعًا ولا ماديًا، ومضحيًا ومبادرًا، فلم يكن جبانًا خائفًا، مجتمع متحرّر من كُـلّ الصفات السيئة، تؤثر فيه القيم والأخلاق والمبادئ عنده أغلى من كُـلّ الدنيا، وقد مدحه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: (تكثُرون حين الفزع وتقلُّون عند الطمع)، هذا المجتمع كان مؤهلًا بكل ما يحمله من مبادئَ أن يكون نواة المجتمع الإسلامي الكبير؛ فلم يدخل في حساباتهم ما دخل في حسابات أهل مكة:
المخاوف من حمل المشروع الإسلامي، نصرة الرسول التي ستتسبب لهم في مشاكل كبرى وأن يدخلوا في عداء وخصومات مع محيطهم من القبائل والبلدان، بل الأنصار كانوا خيرَ ناصرين للرسول وخير حاملين للرسالة الإلهية وخير مبلغين للدين الإسلامي، ومن ذلك اليوم وإلى اليوم كانوا وما زالوا ناصرين للدين، رافعين راية الإسلام، مجاهدين في سبيل الله دون خوف أَو تخاذل، تتجسد في اليمنيين اليوم أخلاق ومبادئ أجدادهم ومقوله رسول الله فيهم؛ حَيثُ يقفون مناصرين للقضية الفلسطينية بدمائهم وأرواحهم وقوتهم رغم عداء عظام الدول قوة لهم، والعدوان الغاشم والحصار الخانق عليهم إلا أن هذا لم يهن من عزمهم ولم يدعهم للتخاذل والجبن، فالأنصار على مر العصور هم ناصرو الحق والمستضعفين، وحاملو راية الإسلام كيفما كانت النتائج ورغم عظيم التحديات.