مُهاجِرون وهِجرة
دُرة الأشقص
نزولاً عِند قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحسان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فقد هاجر اليمنيون كالعادة إلى الله ورسوله وجاهدوا في الله حق جهاده، فكانوا السَبّاقين إلى الخير في كُـلّ زمان ومكان، وهُم الأوائِل لِنُصرة الحق، والمُستضعفين.
هُم أهل البأس الشديد وهم ذوو القلوب الليِنة، والأفئِدةِ الرقيقة، أهل الكرم، وأهل العطاء، اتصفوا مُنذ القِدم بِتفانيهم لِفعل الخير، واجتهادهم لِدفع المُنكر، يستنكِرون ويعجَبون لِأمر أُولئك الساكتين، والمُتعامين عنِ الحق، والمُتخاذِلين، من خذلوا الرُّسُل والأُمة والشعُوب، لا يوجد لديهم أدنى ذرةٍ من ضمير.
يَدينون بِدينِ الحق كما أنهم يدِينون جرائِم ارتُكبت، ولا زالت تُرتكب بحق الأبرياء، والعُزَّل، واللاجِئين.
الهِجرة تعني أن تُهاجِر إلى الله، وإلى الحق، وإلى العدل، وإلى الشهادة، يُقصدُ بِها آلاف المعاني فهي أن تهجر الظُلم، والشر، والعنجهية، والطُغيان، والطاغوت، والشيطان، والرذيلة، والفساد، الهِجرة، أن تهاجر بِقلبِك، وَروحك إلى القرآن الكريم، والنبي العظيم، تُهاجِر بِنفسك، وفؤادك، وجوارحك إلى أولياء الله، وأولياء الحق، إلى أربابِ الهُدى، وأعلامِ الحق، أن تكونَ على بصيرة ثُم على استعداد في كُـلّ المواقف، وفي جميع محطاتِ حياتك، البصيرة لقول الإمام زيدٍ بن علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- حين قال (البصيرة البصيرة) لن ترقى بِجهادك، ولن تسمو بفِعالِك دون بصيرة وهُدى.
لن ترقى إلا بِهُدىً من اللهِ وحبلٍ منه لقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاً وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ؛ إذ كُنْتُمْ أعداء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصبحتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم نموذجين:-
الأول صالح، والثاني سيء.
وهما قارون، وذو القرنين.
الأول نسي فضل الله عليه وقال مُختالاً: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأكثر جَمْعًا، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
والثاني بعد أن أتم أكبر إنجاز في تاريخ البشرية ألا وهو السد الذي حال بيننا وبين يأجوج ومأجوج؛ فقال بِكُل تواضعٍ ولين: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ، وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
بِتلك النماذج، نستطيع أن نتخذ لنا عِبرة ودرسًا؛ مِن أجلِ أن نستَشعِر دائماً فضل اللهِ علينا في كُـلّ لحظة وفي كُـلّ حين وأن لا ننسى الله فينسانا ونكون والعيِاذُ بالله من المنبوذين في الدُنيا والآخرة.
نحمد الله ونشكره على ما حبانا بِه من نصر، وتمكين، وَإنجازات يشهد لها القاصي والداني ويسجلها التاريخ في أنصع صفحاته.