جبهة الإسناد اليمنية تتجهُ نحو مرحلة جديدة: لا سقفَ للتصعيد طالما استمرت الإبادة
المسيرة | خاص:
تثبيتًا لمعادلة “التصعيد بالتصعيد” في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس، ومع إقدام العدوّ الصهيوني على رفع وتيرة جرائم الإبادة الجماعية بارتكاب المزيد من المجازر الوحشية ضد الأهالي والنازحين في غزة، بادرت القوات المسلحة اليمنية للإعلان عن اعتزامِها توسيعَ العمليات المساندة للشعب الفلسطيني، مؤكّـدةً بذلك على التمسك بدورها الفاعل والمتحدي لكل العوائق والتحديات، بدءًا من محاولات الابتزاز والضغوط الأمريكية والسعوديّة، وُصُـولاً إلى الظروف الصعبة المفروضة بفعل الحصار والبُعد الجغرافي؛ استجابة لمطالب الشعب اليمني الذي أكّـد بشكل حاسم وحازم على التزامه بواجب مساندة (طوفان الأقصى) واستعداده للذهاب مع القيادة إلى أعلى مستوى من الانخراط في المعركة المصيرية.
الإعلان العسكري الذي جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، عقب ارتكاب العدوّ مجزرتين مروعتين في غزة أسفرتا عن استشهاد وإصابة المئات من الفلسطينيين، يوم السبت، أكّـد أن “القوات المسلحة ستعمل على اتِّخاذ ما يلزم من خطوات وإجراءات وبحسب إمْكَانياتها وقدراتها؛ مِن أجلِ الانتصار الفعلي لدماء الشعب الفلسطيني ولن تتردّد في توسيع عملياتها العسكرية ضد العدوّ الإسرائيلي ومن يقف خلفه حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة”؛ وهو ما ينذر بوضوح بمرحلة جديدة (خامسة) من التصعيد المساند، كانت القيادة اليمنية قد أكّـدت مسبقًا العمل على الإعداد لها.
ويحمل هذا الإعلان رسالة واضحة للأعداء بأن ظروف الحصار والإمْكَانات والبعد الجغرافي لن تحول دون مقابلة التصعيد الصهيوني المدعوم أمريكيًّا بتصعيد إسنادي مقابل، وأن العمليات اليمنية برغم بلوغها مستويات متقدمة جِـدًّا وصادمة للأعداء من حَيثُ المديات والشدة والكثافة النارية، لن تتوقف عن حَــدّ معين نتيجة لهذه الظروف؛ لأَنَّ القيادة اليمنية حريصة على امتلاك وابتكار كُـلّ ما يمكن امتلاكه وابتكاره من خيارات جديدة توسع حجم ومدى ونطاق الضربات بما يضمن استمرارية المواكبة حسب ما هو متاح.
وتشمل مضامين هذه الرسالة أَيْـضاً تأكيدًا واضحًا وصُلبًا على استحالة الاستجابة لأية ضغوط أَو محاولات ابتزاز تهدف لعرقلة مسار جبهة الإسناد اليمنية أَو فرض قيود عليها، فالإعلان العسكري جاء في توقيت يشهد تصعيدًا أمريكيًّا سعوديًّا ضد الشعب اليمني على المستويين الاقتصادي والإنساني؛ بهَدفِ وقف العمليات المساندة لغزة، وهو تصعيد لم تواجهه القيادة والجماهير اليمنية بالمساومات بل أعلنت تجاهه موقفًا حازمًا أكّـدت فيه الجاهزية للرد بالمثل مهما كانت النتائج، الأمر الذي يجعل الإعلان العسكري عن التوجّـه لتوسيع العمليات المساندة ليس مُجَـرّد تهديد دعائي بل موقف مبدئي نابع من إرادَة موحدة للشعب والقيادة، وبالتالي فهو حتمي وعملي.
ووفقًا لذلك، فَــإنَّ الإعلان العسكري الذي يبشر بمستوى جديد من العمليات المساندة يثبّت معادلة “التصعيد بالتصعيد” التي تمثل إحدى ركائز التحول الاستراتيجي التأريخي غير المسبوق المتمثل في دخول جبهات الإسناد الإقليمية على خط المواجهة المباشرة مع العدوّ الصهيوني، وهو ما يعني أن المرحلة الجديدة القادمة كسابقاتها ستسهم في تكريس انقلاب الموازين على المستوى الإقليمي بالشكل الذي يكرس واقع الخطر الوجودي المتزايد الذي يحيط بالعدوّ الصهيوني، ويفاقم المأزق التاريخي الذي لا عودة منه لنفوذ الهيمنة الأمريكية في المنطقة، والذي تبدو فيه كُـلّ سيناريوهات المستقبل محكومة بحتمية ثابتة هي زوال الاحتلال الصهيوني والمنظومة الاستعمارية التي يعيش عليها في المنطقة.
وفيما لم تحدّد القوات المسلحة طبيعة الخطوات القادمة لتوسيع العمليات المساندة لغزة، فَــإنَّ الطبيعة التصاعدية لتأثير وقدرات الجبهة اليمنية قد جعلت الأفق مفتوحًا على احتمالات كثيرة، برغم الظروف، فالاتساع التدريجي للعمليات البحرية على النطاق الجغرافي وَأَيْـضاً على نطاق فئات السفن المستهدفة خلال المراحل السابقة، كشف عن قدرة استثنائية لدى قيادة الجبهة اليمنية على ابتكار خيارات جديدة دائماً لتشديد الحصار البحري على كيان العدوّ الصهيوني، خُصُوصاً في ظل التطوير المدهش في تسارعه للقدرات الصاروخية والجوية، فقد تتضمن المراحل القادمة تصعيدا لمستوى شدة العمليات بالشكل الذي يحدث أضرارًا أكبر لعدد متزايد من السفن المرتبطة بالعدوّ سواء في البحر المتوسط أَو في الطريق الالتفافي حول رأس الرجاء الصالح، وقد يبرز معطى جديد يتمثل في تصعيد استهداف الموانئ المحتلّة نفسها استكمالًا لمسار العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية في العراق، وقد تتم إضافة فئات جديدة من السفن التي لها علاقات بالعدوّ الصهيوني.
وبالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّ مسار تطوير القدرات الصاروخية اليمنية والذي وصل إلى مستوى صناعة صواريخ ذات سرعات تفوق سرعة الصوت بأضعاف، ينطوي على خيارات تصعيد هامة تجاه الأراضي المحتلّة نفسها، حَيثُ يمكن أن تتضمن المراحل القادمة تنفيذ عمليات مكثّـفة ومركزة تجاه “أم الرشراش” أَو مناطق أُخرى؛ وهو ما سيشكل زلزالًا كَبيراً داخل الكيان الذي يتكبد خسائر متزايدة في جبهتي غزة والشمال المحتلّ.
وفيما يندفع العدوّ الأمريكي نحو التصعيد ضد اليمن، فَــإنَّه قد يسعى لاتِّخاذ المزيد من الإجراءات العدائية لإعاقة خطوات توسيع العمليات المساندة، الأمر الذي سيجعل هذه الخطوات أوسعَ وأشد تأثيرًا؛ لأَنَّها ستتضمن في هذه الحالة إجراءات لمواجهة الإجراءات الأمريكية (أو حتى الإقليمية من جانب النظام السعوديّ) وهو أفق مفتوح على عدد كبير من الاحتمالات أَيْـضاً، فالعمليات ضد القطع الحربية الأمريكية لا زالت قابلة للتصاعد أكثر، ومسار الرد على التصعيد السعوديّ غني بالاحتمالات ذات التأثير الكبير والمزلزل، وهذا الارتفاع المحتمل في حدة المواجهة مع المعسكر المساند للعدو الصهيوني سيؤثر بلا شك على العدوّ مباشرة؛ لأَنَّه سيزيد حجم الحرائق الإقليمية التي تجعل مستقبل العدوّ الصهيوني والنفوذ الأمريكي في المنطقة أكثر هشاشة وأكثر عرضة للخطر.
ومثلما حدث في كُـلّ مراحل التصعيد السابقة، فَــإنَّ توسيع العمليات المساندة لن يكون على الأرجح مقتصرًا على الجبهة اليمنية، حَيثُ من المرجح أن يترافق مع تصعيد على بقية جبهات الإسناد الإقليمية وقد يتضمن تطويرًا في مسار العمليات المشتركة بين هذه الجبهات، وهو المسار الذي افتتحته جبهتي اليمن والعراق في المرحلة الرابعة من التصعيد، والذي يحرص قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على تأكيد أهميته الكبيرة في كُـلّ مناسبة.
وفي هذا السياق فقد بدأت مؤخّراً تأثيرات العمليات اليمنية العراقية المشتركة ضد السفن المتجهة إلى العدوّ الصهيوني في البحر المتوسط بكسر حواجز التعتيم الإعلامي “الإسرائيلي” والظهور في بيانات لمنظمات وجهات دولية رسمية أكّـد تعرض العديد من السفن لهجمات بطائرات مسيرة؛ الأمر الذي يعني أن عمليات هذا المسار تتطور بشكل مُستمرّ وتتغلب مع الوقت على الحواجز والطبقات الدفاعية وعلى الرقابة الإعلامية التي يفرضها العدوّ؛ وهو ما يجعل هذه العمليات قابلة للتصاعد والتطور إلى مستويات أعلى من حَيثُ التأثير والكثافة والمدى.