عاشوراء.. بين إحيائنا وانزعَـاجهم..!
عبد القوي السباعي
ما إن تحل على الشعب اليمني ذكرى عاشوراء، نرى تلك الفعالياتِ الكبيرةَ وذلك الزخَمَ الجماهيريَّ الواسِعَ؛ إحياءً واستذكاراً لها؛ واستدعاءً وتجسيداً لقيمها ومدلولاتها العظيمة كثورة حياة ومصير، وملحمة عزة وكرامة وإباء، ومعركة بذل وعطاء وتضحية ووفاء.. وهي كذلك؛ ثورة انطلقت لإصلاح الواقع المختل وتحقيق العدالة واستعادة الحرية، وفيها انتصر الدم على السيف، بعد أن تجاوز سقفها الزمني تاريخ الماضي والحاضر وارتبطت بالمستقبل، لتبقى ثورة حية خالدة ذات أهداف سامية وإلى الأبد.
في المقابل، نجد كُـلّ من تجندوا ضد هذه الذكرى وهذا اليوم في الماضي وامتدادهم إلى الحاضر يعبرون عن انزعَـاجهم من إحيائنا لها، ويدعون أن في إحيائها استدعاءً منّا لأحداثٍ ماتت وانتهت وعفا عليها الزمن، أَو أننا نقوم بنبشٍ عبثي لماضٍ يستنفد الوقت والجهد ويزرع الأحقاد ويبث الحزازات والضغائن، وبالتالي لا طائل من إحيائها أَو حتى التذكير بها، في محاولةٍ للتشويش عليها وإطفاء شعلتها بتوصيفاتٍ طائفية ومذهبية، وما إلى ذلك من التوصيفات والنعوت.
بل وتفننوا باختلاق قصصٍ وروايات تجذب الأُمَّــة نحو اليهود، كوجوب صوم يوم عاشوراء (حمداً وشكراً لله أن نجى بني “إسرائيل” من فرعون وفلق لهم البحر)، وهكذا في سياق التشويش والتشتيت؛ مِن أجلِ فصل الأُمَّــة عن ذكرى متصلة بمصيرها وتاريخها، ذكرى قادتْها مبادئُ وقِيَمُ ومواقفُ وتضحياتُ قائدها الإمام الحسين (ع)، وما يشكّله هذا الثائرُ الحر من كمالٍ لقيم الفضيلة، ناهيك عن كونه الامتداد الطبيعي لفكر ورسالة جده الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله وسلم”، الذي قال عنه: “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً”.
لذلك ظل كُـلّ سعي المنزعجين وهمهم ألَّا تتعرف الأجيال الجديدة على أهداف الإمام الحسين (ع)، ويطلعون على الأسباب الحقيقية لخروجه في وجه الظلم والاستبداد والفساد، وأخذ النساء والأطفال معه، والتضحية بأرواح الأحبة من أبناء وأقرباء وأصحاب، بإيمان واحتساب، وبالتالي ستكون هذه الشخصية القُدوة المثلى التي يمكن أن تقتدي بها أجيالنا القادمة.
حقًّا إن الإمام الحسين (ع)، أضحى روح العطاء والأمل والإصلاح والتغيير والثورة والصمود والصبر والتضحية لكل البشر، بعد أن مثَّلَ أُنموذجًا يتجاوز المسلمين؛ ليستلهمَ منه كُـلّ أحرار العالم المواقف والبطولات والتضحيات على طريق الحف والعدالة وَمقارعة الظالمين.
“علّمني الحُسَينُ كيف أكونُ مظلومًا فانتصر”.. المهاتما غاندي.