أمراضُ القلوب وخطرُ الإغراق في الشهوات
ق. حسين بن محمد المهدي
من المسلَّم به أن القلوبَ تمرض وقد تشفى من مرضها، وقد تموت حينما تفتك المعاصي بها فتعطلها وتعرج بأصحابها إلى سفاسف الأمور ورذائلها وموبقاتها، فمقدار تأثيرها على الجوارح كبير، وقد صرنا في زمن يعتني البعض بأحذيته ونظافتها فوق عنايته بقلبه.
إن النفاق الذي انتشر في كثير من المجتمعات مَـا هو إلا واحد من تلك الأمراض التي تعتري القلوب وتضل العقول، وقد وصف الله قلوب المنافقين والكافرين بذلك (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ).
إن أمراض القلوب لا يريدون أن يسمعوا ما فيه زكاة لنفوسهم، وعلاج لقلوبهم، وإصلاح لمجتمعهم، مع أن القرآن امتدح من استعمل قلبه وسمعه وبصره، فقال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
إن للقلب سلطانه على الجوارح في حالة الصحة، أما في حالة المرض فَــإنَّ القلوب لا تتأثر ولا تتحَرّك كما قال الحق: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئك كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
إن مرضاً فشى في عصرنا هذا فأخذ بيد البعض من مكان كان فيه المؤمنون كالملائكة أَو أشد ووضعهم في مكان هم فيه كالشياطين أَو أشد، مرض وصل بالبعض في الإغراق بالشهوة إلى حَــدّ التلويح بالمثلية والترويج بمراكز الترفيه للزنا، وهذا المرض إذَا لم يبادر من وقع فيه إلى اقتلاعه من جذوره مات قلبه.
إن في موت القلوب كُـلّ دواهي الدنيا والآخرة، فقد طغت الشهوة البهيمية عند قوم فصارت تتصرف بهم تصرفاً مطلقاً، لا منازع لها من عقل أَو دين، وسرّ الموضوع أن القوة العاقلة ضعفت جِـدًّا عند هؤلاء، والقوة البهيمية قويت جِـدًّا، حتى صار الإنسان فيهم في أسر الشهوة كالبهيم، وأن رأيت صورته صورة إنسان.
إن تحصيل مقدمات الزنا واللواط وانتشار الفاحشة في مراكز الترفيه صار واضحًا، وما يحضر له من السفور والاختلاط والتعري وإظهار المفاتن فتنة للناظرين قد ألهبت الصبغات وجنات شبابهم وشاباتهم، فلاعج الغرام يفسد الشباب والشابات ويكون سبباً في الوقوع في الموبقات (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالآخرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
إن الزنا واللواط من أكبر الكبائر بعد الكفر والقتل، فعارهما يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسود الوجوه، ويخرس الألسن المنطقية البليغة، ويبدل أشجع الناس من شجاعتهم جبناً، إنها من الذنوب التي إن مست قوماً لم يقتصر شؤم ه على من قارفته من نسائهم، بل يمتد قبح صورته، فقاتله الله من ذنب يفسد الحياة.
أما المؤمنون فَــإنَّهم في عناية تامة بقلوبهم؛ لأَنَّ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد نبههم أن في الجسد مضغة (إذا صلحت صلح الجسد كله وَإذَا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، فقلوبهم مطمئنة بذكر الله، فمن أصلح قلبه نور الله بصيرته، وكان سعيداً في دنياه وآخرته.
إن الله جعل قلوب عباده بيده فينظر إليها (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وإنما علاج القلوب بالرجوع إلى الله، وفي الحديث (إن المؤمن إذَا أذنب كانت نُكتةٌ سوداءُ في قلبه فإن تاب ورجع واستغفر صقل قلبه) (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مِئة مرة).
إن اقتراف المعاصي والمخالفات تلو المخالفات، والانغماس بالملذات، والتطاول على خالق الأرض والسماوات، وترك العبادات والطاعات، والطاعة لأهل القلوب الغافلة يؤدي إلى الهلاك (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).
إن من أمعنوا في إيذاء اليمن وحصاره مدعوون إلى الكف عن أذاهم ورفع حصارهم ورفض الاستجابة لشهواتهم قبل أن يأتيهم العذاب وهم لا يشعرون فليستجيبوا لنداء قائد المسيرة القرآنية؛ فالجرأة على إيذاء اليمن وترك الجهاد في فلسطين ينذر بعاقبة وخيمة.
إن الأُمَّــة اليوم مدعوة إلى نبذ المعاصي والمخالفات، والتوبة من الذنوب المهلكات، والاستجابة إلى داعي الجهاد في فلسطين الذي أعلنه قائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- واقتفَاء أثره والسير على نهجه قبل فوات الوقت فَــإنَّ الله ناصره ومعز دينه ومعلي كلمته.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.