حربُ الصورة بين الجيش اليمني والكيان الإسرائيلي
د. عبدالملك محمد عيسى
منذ عملية (طوفان الأقصى) المباركة وجبهاتُ الإسناد للمقاومة الإسلامية في لبنانَ واليمن والعراق تهاجمُ الكيانَ الإسرائيلي بشتى الوسائل؛ لأجل الضغط عليه لإيقاف حربه العدوانية على قطاع غزة وفك الحصار عنه ودعم حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ فلا بدّ من انتصار حماس على الكيان الإسرائيلي كما أعلن السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله.
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت جبهة الإسناد اليمنية ضد الكيان، وقام الجيش اليمني بتصعيد عملياته ضد الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وُصُـولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر استهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية التي تنقل التجارة إلى الكيان، وتصوير هذه العمليات الهامة جِـدًّا (زورق طوفان المدمّـر، إغراق السفن، وغيرها) فقد أصبحت الأدوات الإعلامية والتكنولوجية جزءاً لا يتجزأ من الحرب العسكرية والسياسية بين المقاومة الإسلامية والكيان الإسرائيلي، يعد هذا النوع من الحرب حديثًا نسبيًّا؛ إذ إنه قد أضاف بُعْدًا جديدًا للحرب العدوانية ضد الفلسطينيين بدخول اليمن كفاعل رئيسي وأَسَاسي وجزء مهم منه؛ مما سبب خسائر اقتصادية هائلة للاقتصاد الصهيوني.
وزير الحرب للكيان الإسرائيلي صرّح بأن “النيران يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط”، مُشيراً بذلك إلى الضربة التي قام بها الكيان الإسرائيلي ضد مدينة الحديدة واستهداف خزانات الوقود التي هي منشآت مدنية؛ ليحقّق هدف هو التخويف والإرهاب واستعراض القوة ليس فقط أمام اليمن وإنما أراد أن تكون رسالة لكل الإقليم، حَيثُ شاركت في القصف 20 طائرة من بينها قاذفات من طراز إف-15، وطائرات شبح إف-35، وطائرات حراسة من طراز إف-16، بالإضافة إلى 4 طائرات للتزويد بالوقود جواً (كلّ هذه أمريكية والكيان مستخدم لها)، والعجيب أن هذا التصريح بدلاً عن أنه يدل على القوة وإرهاب الخصم، كما هو المراد منه، إلا أن حقيقة الأمر يدل هذا التصريح دلالة واضحة على مدى الخوف الحقيقي الذي يعتري الصهاينة ويعكس مدى القلق الإسرائيلي من توسع دائرة الصراع لتشمل مناطق جديدة؛ مما يضع مزيداً من الضغوط على الأجهزة الأمنية والدفاعية الإسرائيلية وَالمستوطنين؛ فلا عمق استراتيجي يملكُه الكيان.
فالطائرة المسيّرة (يافا) ضربت عمق الكيان وفي عاصمته ومنطقة الثقل السكاني والاقتصادي له؛ ما يعتبر تطوراً مثيراً بالنسبة للعالم، وأظهرت الصور التي نشرتها وسائل الإعلام عن اختراق طائرة “يافا” سماء عاصمة الصهاينة تل أبيب دون أن تعترض من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، هذا الاختراق يعد إنجازًا كَبيراً للجيش اليمني ورسالة قوية للكيان الإسرائيلي وينبئُ عن القدرة التكنولوجية التي تطورت إلى مستوى يمكنهم من تنفيذ هجمات في عمق الأراضي الإسرائيلية.
هذا الحادث يسلط الضوء على عدة أبعاد استراتيجية وسياسية:
1) التطور التكنولوجي للجيش اليمني: أظهرت الطائرة المسيّرة “يافا” أن الجيش اليمني قد وصل إلى مستوىً عالٍ من التطور التكنولوجي؛ مما يعزز من قدرته على تنفيذ عمليات دقيقة ومعقدة ومهمة وفق بنك أهداف معد مسبقًا.
2) التأثير الإعلامي: تلعب حرب الصورة دوراً كَبيراً في تشكيل الرأي العام، سواء على المستوى المحلي أَو الفلسطيني أَو الدولي؛ فنشر صور الطائرة المسيّرة فوق تل أبيب يعتبر انتصاراً مهماً للجيش اليمني، ويزيد من الضغوط على الكيان الإسرائيلي.
3) الرسائل السياسية: من خلال هذا الاختراق، يرسل أبطال الجيش اليمني رسالة واضحة لـ “إسرائيل” وللعالم بأنهم قادرون على التأثير في موازين القوى في المنطقة، وأنهم ليسوا مُجَـرّد جماعة محلية محدودة التأثير، بل أصبح اليمن قوة إقليمية مقرّرة وعمل الكثير من الحسابات للجبهة اليمنية والاستماع إليها عندما تطالب بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنه.
فرسائل اللهب المتعددة ما بين الجيش اليمني وبين الكيان الإسرائيلي، حَيثُ حاول الكيان الإسرائيلي ترميم ما أمكن من صورته المحترقة داخلياً، وإعادة شيء من التوازن إلى حرب فرض الجيش اليمني طوال أشهر أهم محطاتها، وأطرافها، وزمانها، واختار لها من الأمكنة دائماً ما يحطم أُسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” والقبة الحديدية التي لا تُخترق، والعاصمة التي كانت في الفترة التي سبقت (طوفان الأقصى) إحدى أكثر عواصم الشرق الأوسط أمناً سقطت كلها بـ (صورة طائرة)، ومحاولة استعادة كُـلّ ذلك عبر (صورة حريق بترول) في مدينة الحديدة لن تعيد تلك الصورة للجيش الذي لا يقهر فقد قُهر مرتين مرة بـ (طوفان الأقصى) ومرات في البحر والقصف من الجيش اليمني لـ (200) مرة بحسب تصريح الكيان.
تشيرُ حربُ الصورة بين الجيش اليمني والكيان الإسرائيلي إلى تطور جديد في أساليب الحرب في المنطقة وأن المنتصر ليس من يستخدم سلاحَ الآخرين والتباهي به، بل من يطور قدراته وتقنياته ومرتبط بالله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم).