كربلاء غزة.. والحسين أنتم
احترام عفيف المُشرّف
إذا كانت كربلاء العراق قد شهدت قتل الإمَـام الحُسَين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- والعترة الطاهرة من آل بيت النبي وسبي بنات النبي، ففي غزة هناك كربلاء ممتدة إلى ما يقارب العام، وفي فلسطين بكلها هناك كربلاء قد تجاوزت السبعين عاماً قُتل فيها حسينيون كُثر، ورضّع كُثر والزينبيات هناك بلا عدد.
ومن ذبحوا الإمَـام الحُسَين من الوريد إلى الوريد هم من يذبحون غزة من الوريد إلى الوريد، فيزيد الأمس قد قام مؤيداً ومباركاً وداعماً ليهود العصر في ذبحهم وتجويعهم وتشريدهم لأبناء غزة، ولم يستثنوا فيها أحد، لا الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، كل هذا الإجرام؛ لأَنَّ غزة هاشم قالت لا للمحتلّ، ونعم للمقاومة، وتباً لمن داهن اليهود، أَو سكت عنهم، وسحقاً لمن وقف معهم وأيدهم وساندهم.
ولأن غزة قالت لا فقد كان عقابها بكل هذه الوحشية وامتد عقابهم إلى كُـلّ من وقف مع غزة في كُـلّ دول المحور وفي اليمن على وجه الخصوص.
وهَـا هي مشاهد كربلاء تعاد في غزة وما حدث في الطف يحدث في غزة بارتكاب الصهاينة فيهم أبشع الجرائم الإنسانية؛ فقد ذُبحت الرؤوس، وسُحلت الجثث، وقُطعت الأوصال، وأحرقت المزارع، ودمّـرت البيوت فوق ساكنيها، والمستشفيات على مرضاها، وشُردت النساء وأُلقيت الجثث فلا تجد من يدفنها.
إن ما يحدث في غزة وبأهلها من جرائم تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين، تقشعر الأبدان لوحشيتها وبشاعتها، ويندى منها جبين الإنسانية؛ لأَنَّ من قاموا بهذه الجرائم البشعة هناك من يؤيدهم ويدعمهم ممن يزعمون أنهم مسلمون.
بل هم في مساندة لقاتليهم ويمدونهم بالمعونات عبر الجسور البرية، في حين أهل غزة يتضورون جوعاً وعطشاً وذوي قرباهم في جوارهم يرفدون عدوهم بالمدد، ألا صبت عليهم اللعائن.
وما كان يسعي إليه الدعي يزيد في إطفاء نور الحق، حتى قام في وجهه الإمَـام الحُسَين وقالها مدوية “هيهات منا الذلة” هو بذاته وعينه ما يسعى إليه قتلة العصر بقتلهم وتنكيلهم بمن يكون فيهم روحية الحسين ومنهج الحسين.
ولكن كلا والله لا يسعهم هذا وليس بمقدورهم ذاك فقد وعد الله أولياءه بالبقاء وأعداءه بالفناء، والوقوف في وجه الظالمين باقٍ أثره ما بقي الحسين، والحسين باقٍ ما بقي أتباعُ الحسين، وكربلاء ستكبر وتمتد إلى كُـلّ أرض وجد فيها يزيد، وثورة غزة هي امتداد لثورة كربلاء.
فمنذ العام الـ61 للهجرة وإلى الآن وحتى آخر الزمان سيظل الحسين وثورة الحسين هما النبراس والمشعل الذي يستنير به الثوار والأحرار، ليس فقط في أُمَّـة الإسلام بل في العالم أجمع، وثورة غزة هي من ثمرات الثورة الحسينية الأولى وكذلك كُـلّ الثورات التي قامت في العالم قد كانت امتداد من الحسين؛ لأَنَّه هو من علّم الأحرار الوقوف في وجه الظالمين ومقارعتهم.
وكما انتصر الحسين وهزم الدعي ستنتصر غزة، وهَـا هي كربلاء تمتد جغرافياًّ وتتجاوز حدود العراق؛ لتكون كربلاء في كُـلّ أرض تقارع الظلم والطغيان، وهَـا هو الحسين السبط -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- يشع نوره وتحل بركاته على المجاهدين في كُـلّ محور المقاومة؛ ليصبح أمام الأعداء فيلقٌ كبيرٌ من الحسينيين الذين تربوا في مدرسة الحسين وتمعنوا في دروس الطف وتخرجوا من الجامعة الكربلائية.
وستدون غزة تاريخاً لا يمحى ولا ينسى ولا يترك، كما دونته كربلاء وسيربحون بيعهم لأنفسهم لله.
سيدي يا أبا عبدالله الحسين أنت من غرست شجرة الحرية في غزة واليمن والعراق ولبنان وفي كُـلّ العالم وسقيتها بدمك المبارك، وقد تعملقت تلك الشجرة وتفرعت في كُـلّ المعمورة، وها هم حسينيو غزة يجسدون بطولات كربلاء ويعيدون كُـلّ مشاهد كربلاء من صبر وصدق وتضحيات.