بعثُ الروحية الجهادية
عبدالحميد الغُرباني
ثَمَّةَ مفارقاتٌ كثيرةٌ أمامَنا، ومن الجيد أن نشيرَ لواحدةٍ منها تُعَدُّ من أشدِّ ما يؤرِّقُ معسكرَ العدوان على غزةَ وَطابورَ المُطبِّعين، وهي انتقالُ اليمن من مربَّع الخوف على مَواتِ الروح المعنوية الجهادية للشعب اليمني في مرحلة اللاسلم واللَّاحرب إلى باعثٍ لهذه الروح في أوساط الأُمَّــة الإسلامية وَبشكل مُتَّقَدٍ وبزخمٍ لا يتوقف.
لقد كان المعوَّل أمريكيًّا وسعوديًّا من فترة اللاحرب واللاسلم أن تنتجَ حالةً ممتدةً من الفراغ واللامبالاة وَشحن عموم المواطنين بالطاقة السلبية واليأس وَتخليقِ الإحساس باللا مساواة المعنوية في نفوس المواطنين -إحساسٌ يحزُّ بقوة في النفس ولا يُطاق- ودفع المجتمع إلى واقعٍ أسوأَ من العدوانِ إلى درجةٍ تجعلُ استمرارَها عبئاً مدمّـراً للحاضر وَالمستقبل، لكن انخراط اليمن ضمن معركة (طوفان الأقصى) ومواجهة العدوان الإسرائيلي على غزةَ أفشل هدفَ إماتة الروح المعنوية وتعطيل حِسِّ اليقظة وإضعاف حُبِّ التضحية في سبيل الله والوطن، وهدف تخليق اللامبالاة والفراغ وَالملل والميل إلى السُّكون والكسل وسلب الشعب روحَ الإرادَة وقوتَها وتصميمَها وطاقتَها وإخماد جذوتها في النفوس وما يرتبط بها من استنارة.
التعبئةُ العامة وَالنفيرُ الشعبي الواسع بشتى الوسائل وفي كُـلّ الميادين ضرب تلك الأهدافَ تماماً؛ أي إن التضامنَ والوفاءَ مع فلسطينَ تكفَّلَ باستمرار الروح المعنوية لدى الشعب، بل ورفعها وقوَّى بشكل كبير شعورَ الشعب بكرامته وَقدرته واقتداره على فعل الكثير، وتأكّـد للعالم وليس لليمن فحسب أن أمريكا قشةٌ يمكن هزيمتُها وَإذلالُها.
الشعبُ اليمني العظيم -عبرَ سلاحِ التظاهُرات كفعلٍ إيماني متجدِّدٍ وبما تعكسُه من غضبٍ لا يتوقفُ وما تُعبِّرُ عنه من تموضُعٍ لا يتزحزحُ كُـلَّ جمعة من كُـلّ أسبوع على مدى عشرة شهور- يُظهِرُ ما يتحلَّى به من قِيَمٍ ومبادئَ وعقيدةٍ إظهاراً فعّالاً، ويبعث بهذا الفعل الروحَ الجهادية والمعنوية في نفوس أبناء الأُمَّــة ومن خلال الأشكال المختلفة التي انخرط بها وشكّل بها إحدى جبهات الإسناد والمُناصرة للشعب الفلسطيني.
سلاحُ التظاهرِ مِن أجلِ غزة في اليمن يُقدِّمُ رسالةً واعيةً لموجبات مجابهة تحدِّي الاستهداف الأمريكي الصهيوني للأُمَّـة، ويُعيد ترتيبَ أولويات الأُمَّــة ويحرِّضُها على إعداد بنادقِ التحرير واتِّباع نهجِ المواجهة على مُختلف المستويات، وقدرُ الأُمَّــة حتماً هو الانبعاثُ من تحت الركام إلى جلاءِ الوجودِ الحقيقي.