غزة وانحدارُ أُمَّـة المليار نحو هاويةِ الخزي والعـار
د. عبد الرحمن المختار
مؤسِفٌ جِـدًّا ما وصل إليه حالُ الأُمَّــة الإسلامية اليومَ من ذُلٍّ وخِزْيٍ وصَغَارٍ، في مواجَهة قوى الهيمنة والاستعمار؛ فقد كشفت مأسَاةُ غزةَ كُـلَّ محتوياتِ تلك التجويفات الفارغة من القِيَمِ الدينيةِ والإنسانيةِ، تلك التجويفاتُ المزروعَةُ على نطاقاتِ الخارطةِ الجغرافية للأُمَّـة من شرقِها إلى غربِها ومن شمالِها إلى جنوبها، والمُسَمَّاة دُوَلًا، والموسومة في صُلب دساتيرِها، بأنها مستقلَّةٌ وذاتُ سيادة؛ فما كشفته غزةُ يؤكّـدُ أنه لا سيادةَ ولا استقلالَ، بل تبعيةٌ وارتهانٌ، لقوى الرذيلة والانحطاط والإجرام، باعت الأنظمةُ الحاكمةُ في مُسَمَّيَاتِ تلك الدول شرفَ وعزةَ شعوبِها، وبغضِّ النظر عن سابِقِ مواقفها المخزية، إلَّا أن موقفَها من مأساة غزة، أثبت أنها مُجَـرَّدُ تجويفاتٍ محشوَّةٍ ذُلًّا وخنوعًا وخزيًا وعارًا.
لم تخجلْ تلك الأنظمةُ أبدًا من مواقفِها المخزية، رغم أنَّها على خَطِّ التماس، مع جريمة الإبادة التي تتابع أفعالها، وتستمر فصولُها في قطاع غزةَ، يصافحُ حكامُ أنظمة الخزي والعار مقترفي الجريمة، ويبتسمون لهم ابتساماتٍ عريضةً، ويفرشون لهم على أراضي بلدانهم السجادَ الأحمر، الذي لا يذكِّرُهم بذلك اللون القاني المسفوح في غزة، وكأنَّ لسانَ حالهم يقول للمجرمين: (دوسوا على دماءِ وأشلاء أطفالنا، فنحن مطاياكم ولا غِيرةَ لدينا)، أُولئك القابعون على سُدَّةِ الحكم في أنظمة تلك المسمَّيات بأنها دُوَلٌ، لم يخجلوا حين تقاطَرَ حُكَّامُ قوى الإجرام، معلنين بشكل فاضِحٍ وواضِحٍ وقاطِعٍ لحكام الكيان أنهم معهم وإلى جانبِهم، وفي ذات الوقت تسابق حكامُ العار إلى إعلانِ البراءة من فعل رجالِ غزةَ الأحرار!
ولم يقفْ انحطاطُهم عند ذلك الحد، بل وقفوا في وجهِ كُـلِّ مَن سانَدَ غزَّةَ من أبناء شعوب أمتهم؛ ليُثبِتوا ولاءَهم وتبعيتَهم لمن تسيَّدوا عليهم؛ وإمعانًا منهم في الذُّلِّ والتبعية، سيَّروا القوافلَ البرية، عبرَ الأراضي العربية، إلى كيان الدولة العبرية، بعد أن أُغلقت الطُّرُقُ البحرية، متبرِّعين بتوفيرِ احتياجاتها الضرورية! رغم أن الاستغاثاتِ من غزةَ تملأُ الآفاقَ! لكن قوافلَ الأعراب ضَلَّت الطريق، أَو لعلَّ الوجهة التبست ما بين العربية والعبرية، وفوق توفيرها احتياجات كيان الإجرام مجانًا، مشمولة بخدمة التوصيل، اتَّجهت لخنقِ شعبِ العزة والإباء اقتصاديًّا، شعب الإيمَـان والحكمة؛ طاعةً وخدمةً لمقترفي جريمة الإبادة الجماعية؛ ومعادَاةً لكل موقِفِ عزةٍ مسانِدٍ لمظلوميةِ غزةَ.
وحين فشلت في مهمتها، ورفعت أمامَ مشغِّلِها عقيرتَها، من تبعات وآثار ورطتِها، تولَّت قوى الإجرام ما سبق لها أن كلَّفت به أدواتِها، واقترفت جريمةَ خزانات الوقود في ميناءِ الحديدة؛ فأشعلت نارًا ارتفعت عاليًا ألسنتُها، وأعمدةُ دُخَانِها، وسرعانَ ما خمدت تلك النار، لكن نارًا أُخرى لا تزالُ متقدةً، وستظلُّ كذلك إلى أن تتهاوى قوى الهيمنة والاستعمار، التي اعتقدت مخطئةً، أنها بجريمتِها تلك ستضَعُ حَدًّا لإباءِ ووفاءِ شعبنا في إسنادِه لغزة العزة والحرية.
ولا تدركُ تلك القوى الهمجيةُ، أنها فتحت أُفُقًا واسِعًا لن ينتهيَ مداه، إلا بزوالها، بإذن الله تعالى، ولشعبنا سابقُ خِبرة في إزالة هذا النوع من الهَمَج المتوحشين؛ فذلك النظامُ الذي كان قابِعًا على رأس السلطة في العاصمة صنعاءَ، اعتقد في ما اعتقدَ أنه باقٍ في مكانه، ثابتٌ لا يزولُ وإن زالت الجبال، فزَلَّ وكان مصيرُه الزوال، وقد كانت له السطوة، وبيده القوة، فلم تُغْنِ عنه شيئاً، ولم تَقِهِ من الانهيار، وأُلبس مرغمًا ثوبَ الخزي والعار.
وبالمقياس المادي البحت، لم يكن لمن واجهوه من المؤمنين المستضعفين من القوة ما يمكنُ أن يشكِّلَ نسبةً تُذكَرُ، مقارَنَةً بما توافرَ له منها عدداً وعُدَّةً وعتادًا، ومع ذلك كتب الله زواله على يد أُولئك الفتية الذين آمنوا بربهم، فأيَّدهم ونصرهم ومكَّنهم، وبزواله أُزيلت من بلد الإيمَـان، قوى الهيمنة والإجرام، التي عاثت في البلاد خرابًا وفسادًا؛ فأُخرجت مجبَرةً ذليلةً صاغرة منكسرة، وعقب ذلك أوعزت إلى أدواتِها في المنطقة، بالثأر لما أهدره الأحرارُ من صِيتها وسُمعتها وهيبتها وسطوتها، ولما لحقها على أيديهم من خزيٍ وإهانة.
ولم تتردَّدْ قوى التبعية والعمالة والارتهان، وغدرًا ودون سابق إنذار، هاجمت تلك القوى ليلًا بلدَ الأحرار؛ فكان القتلُ والدمارُ أبرزَ عناوين محطَّات الأخبار، ومع فظاعَةِ الجريمة، وهول الإجرام ساد الاعتقاد أن أيامًا معدوداتٍ كافيةٌ لإحداث حالة الانهيار، وتصبحُ قوى الإجرام من جديد، هي صاحبةَ الأمرِ والقرار، في كُـلِّ الديار، لكن مضت الأيّامُ والأسابيع والشهر والسنوات، وتلاشت تلك الأوهامُ، وانقلبت صورةُ عناوين الأخبار، التي تُقرَأُ فيها الخيبةُ والخسارة والاندحار.
وبعد صمود وصبر وعزيمة واقتدار، لعقدٍ من الزمان، تُوِّجَ شعبُ الأحرار بتاجِ الانتصار، وبالحسابات المادية أَيْـضاً، لم يكُنْ لفتيةِ يمنِ الإيمَـان في بداية العدوان، من القوة ما يمكنُ نسبتُه إلى قوة تحالف الإجرام، وليس مبالَغةً القولُ: إنَّ قائدَ الأحرار، وفي ذروةِ عدوان الأشرار، كان كما أَطَلَّ يومَ الأحد الفائت، ثابتًا واثقًا مطمئنًا، يُطَمْئِنُ شعبَه بأن (لا قلقَ نهائيًّا) كما فعل من قبل عقدٍ من الزمان، محدِّدًا برؤية ثاقبة مصيرَ عتاولة الإجرام والعدوان، وهو اليوم كذلك لم يتغيَّرْ، بل إن ما يستخلصُ من حديثه هو ارتفاعُ مستوى ثقته بالله، فوق ما لدى المجرمين من آلةِ التوحُّش والإرهاب.
وحين أعلن سابقًا موقف شعبنا المساند لأبناء غزة، في وجه قوى الطاغوت والإجرام، لم يكن هناك -وَفْـقًا للحسابات المادية- من مقارنة تُذكر بما لدى تحالُفِ الشيطان من وسائل الإرهاب والإجرام، ومع ذلك شهد العالَمُ بأسره تقهقُـرَ ذلك التحالفِ الخَسران؛ بفعلِ ضرباتِ أحرارِ يمنِ الإيمَـان.
واليومَ وبعدَ إعلانِ كيانِ الإجرام الصهيوني دخولَه بشكلٍ مباشِرٍ على خَطِّ النار، فَــإنَّ مصيرَه لن يختلفَ -بعون الله- عن مصيرِ مَن سبقه من أكابر المجرمين الأشرار، ذلك ما أمكَنَ استخلاصُه من حديث قائدِ الأحرار، الذي عرفنا عنه دائماً عظيمَ ثقته بنصر الله تعالى، وتوكله عليه، غيرَ آبهٍ بقوة وإرجاف ومكر أعوان الطاغوت، وأولياء الشيطان، مهما بلغ، فهو يدركُ يقينًا أن ﴿لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض﴾ وَ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ومع التحَرّك في سبيل الله واستجابةً لأمره فَــإنَّ إجرام قوى الطاغوت سيرتدُّ عليها، كما جسَّد ذلك قولُه تعالى: ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ﴾.
كانت الأسطرُ السابقةُ لإيضاح مصيرِ أعوان المجرمين المستكبرين، وهو الزوالُ على أيدي عباد الله المستضعَفِينَ؛ فما الذي يمكنُ أن يعصمَ المستكبرين أنفسَهم من ذات المصير، وهو الخزيُ الذي لحق بأعوانهم، وعذابُ الله على أيدي عباده المؤمنين، قال تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ فهل ستعصمُهم قوتُهم وسطوتُهم من قوة الله، ومن عذابِ الله على أيدي مَن أمرَهم بقتالهم، وتوعَّدَهم بالخزي والعذابِ على أيديهم؟
ولأمة المليار وَ…، نقول: تذكَّروا قولَ الله تعالى ﴿وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُم مسؤولونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقوله: ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ فماذا سيكون جوابُ من تخاذل وخذّل الآخرين؟ وماذا سيكون جواب من تثاقل؟ وماذا سيكون جوابُ مَن تآمر على دماء الأطفال المسفوكة ظلمًا وعدوانًا؟ وماذا سيكون جواب من أفتى الناس بعدم جواز التحَرُّك إذَا لم يتحَرّك من يسمونه وليَّ الأمر؟ وماذا سيكون جوابُ مَن حرَّم حتى مُجَـرّد الدعاء لأهل غزة؟! وماذا سيكون جوابُ أُولئك جميعاً عند سؤالهم عن عدم الاستجابة لأمر الله تعالى القائل: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
وماذا سيكون الجواب عندما يسألُهم اللهُ عن العذر المانع لهم من النصرة والإنكار حتى بالموقف؟ وقد أمدَّ اللهُ الأُمَّــةَ بكل الإمْكَانيات مادية وبشرية، وعلى رأسها القدرات العسكرية؟ ماذا سيكون الجوابُ في ذلك اليوم، إذَا كان السؤال عن القوة التي أمر اللهُ بإعدادها في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ فهل سيكون الجواب أن الأُمَّــة قد أعدت قواتٍ كبيرةً، وَإذَا كان الأمر كذلك، فبالتأكيد سيكون السؤال التالي كيف تم استخدامُ تلك القوة؟ وهل كان استخدامُها في مواجَهة أعداء الله وأعداء الأُمَّــة؟ ونصرةً للمظلومين من الأطفال والنساء والولدان من أبناء شعب فلسطين وهم يُبادون في غزة؟!
إنه يومٌ عسيرٌ يا شعوبَ أُمَّـة المليار وَ…، لن ينجوَ أيُّ فرد في ذلك اليوم من تبعات الإخلال بواجباته؛ فإذا ما تنصَّلت الأنظمةُ الحاكمةُ عن الواجبات الإلهية، واتضح جليًّا أمرُ موالاتها لأعداء الأُمَّــة، فَــإنَّ مهمةَ النهوض بتلك الواجبات لنصرة المستضعفين، ومواجَهة المستكبرين المجرمين، تنتقلُ مباشرةً إلى الشعوب؛ لتبدأ بحكامها؛ باعتبَار أنه لا فرقَ بينهم وبين من يدينون لهم بالولاء؛ فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أولياء، بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ، وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
فلا بُدَّ يا شعوبَ أُمَّـة المليار وَ…، من جاكرتا إلى الدار البيضاء، ومن عاصمة خلافة بني عُثمان إلى شعب نووي باكستان، إلى شعوب مسوخ ممالك ومشيخات العُربان ابن زايد وابن سلمان، إلى كُـلِّ مسلِمٍ في بلاد الإسلام، نبَذَ كتابَ الله خلفَ ظهره، كتاب الله الذي ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ وكل من غفل أَو تغافل عَمَّا أوجبه اللهُ “سُبحانَه وتعالى” الذي ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأرض وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أكبر إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ فالإنسانُ المسلمُ تحديدًا يتحمَّلُ التبعاتِ المترتبةَ على إخلالِه بواجباته التي أوجبها اللهُ عليه وهي واضحةٌ ومحدَّدةٌ لا لَبْسَ فيها ولا غموضَ، وسيحاسِبُه اللهُ على التفريط فيها قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ﴾، وَإذَا كان الحسابُ سيشمل كُـلَّ صغيرة، فما بالُ شعوب أُمَّـة المليار بتلك الكبائر التي يقترفها المجرمونَ في غزةَ؟!
بكل تأكيد إنها ليست صغيرةً وليست بالهيِّنة؛ حتى تظلَّ شعوبُ الأُمَّــة في سُباتِها الذي امتدَّ أَمَدُه لعشرةِ أشهرٍ بأيامِها ولياليها وساعاتِها ودقائقها وثوانيها، والمجرمون يقترفون في كُـلّ جزء من زمن الجريمة، أفعالَ إبادة بحق الصغار والكبار والنساء والرجال، وأغلبُ شعوب أُمَّـة الإسلام لا تحَرّكُ ساكنًا، تجاه المجرمين، بل ولا تحَرّك ساكنًا تجاه حُكَّامِها أولياءِ وأذنابِ أُولئك الطُّغاة المستكبرين المجرمين!
لا بُدَّ للجميع أن يدركَ يقينًا، أن تلكَ الدماءَ المسفوكةَ ظُلمًا وعدوانًا في غزةَ، والأشلاءَ الممزَّقَةَ تكبُّرًا وتجبُّرًا، سيسأل اللهُ عنها شعوبَ الأُمَّــة فردًا فردًا، ولن تكونَ النارُ التي أشعلها المجرمون، ويشعلونها ليخوِّفوا بها الشعوب، لن تكونَ شيئاً يُذكَرُ، مقارنةً بنار الله، التي أعدَّها لمن أعرَضَ عن دينه ومنهجِه القويم، وحينَها لن يجديَ أبدًا، ولن يفيدَ التذرُّعُ بطاعة ولاة الأمر؛ فقد جسّد الله “سُبحانَه وتعالى” ذلك الموقف في كتابه العزيز بقوله ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ وحينها سيتبرأ التابع من المتبوع ذلك الموقفَ كما ورد بقولِه تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأسباب﴾ ففي هذه الدنيا ما زالت الفرصةُ سانحةً لاغتنامها، قبل فوات الأوان، فـ (تَرْكُ الفُرصة غُصَّة) ولن يفيدَ الندمُ أبدًا، إذَا أضاعت شعوبُ الأُمَّــة هذه الفرصةَ الثمينة، للتحَرّك لمواجهة المجرمينَ؛ استجابةً لأمر الله “سُبحانَه وتعالى”، ونصرةً للمظلومين المستضعفين.
إن الواجبَ اليومَ يحتمُ على شعوب الأُمَّــة أن تتجاوزَ حالةَ الخِذلان والتثاقل والتغابي والتغافُل إلى حالةِ اليقظة والحركة والعمل والجهاد في سبيل الله، ولا بُدَّ للشعوب من مساءَلة الحُكَّام، بكل صراحةٍ ووضوح، حولَ تكديسِها كُـلَّ تلك الأصناف من الأسلحة، التي لم تُستخدَمْ لنصرة أهمِّ قضية من قضايا الأُمَّــة، وهي قضيةُ الشعب الفلسطيني، الذي يتعرَّضُ أبناؤه في قطاع غزة لجريمةِ إبادة جماعية، وسلاحُ الأُمَّــة مكدَّسٌ في المخازن؛ فإذا لم تُستخدَمْ اليومَ في مواجهة الصهاينة وشُركائهم، فمتى سيُستخدَم؟! وضد من سيُستخدَمُ كُـلُّ ذلك المخزون؟!
وإذا لم تكن لكل تلك الترسانةِ من السلاح القدرةُ على توفير الحِماية للشعب الفلسطيني، وردع المجرمين، فلن تكونَ له بكل تأكيد أيَّةُ قدرة في حماية شعوب الأُمَّــة مستقبلًا؛ فذلك المخزون الذي اقتُطع ثمنُه من قوت شعوب الأُمَّــة، كيف لهذه الشعوب أن تقبَلَ بالجوعِ في مقابل توجيهِ أغلب مواردها لاقتناء صنوفٍ متنوعة ومتعددة من الأسلحة، وفي نهاية المطاف تكونُ وبالًا عليها؟ إمَّا بإشعال صراعاتٍ داخلية في نطاق شعب كُـلّ دولة من شعوب الأُمَّــة، وإمَّا بإشعال صراعات بين دولها؛ لتصبحَ بالنتيجة شعوبُ الأُمَّــة الإسلامية عبارةً عن سوق لما تنتجُه مصانعُ القوى الاستعمارية من أنواع السلاح، يقتُلُ به أبناءُ الأُمَّــة بعضُهم بعضًا؛ خدمةً لأهداف تلك القوى الإجرامية.
والواجبُ على شعوب الأُمَّــة أن تتحَرّكَ، وأن تتحرّرَ من عبوديتها لحكامها، عبيدِ الصهاينة المجرمين، وعلى شعوب الأُمَّــة أن تكونَ على يقين تامٍّ، أن السلاحَ الذي بحوزة أنظمتها الحاكمة، إذَا لم تُجبِرْ هذه الشعوبُ حُكَّامَها على استخدامه لنصرة المظلومين من أبناء الأُمَّــة في قطاع غزة، فَــإنَّه سيُستخدَمُ لقتلها، وحتى وإن لم يُستخدَمْ في قتلها، فَــإنَّه لن يقيَها من شِرِّ قوى الطاغوت والإجرام، وحينَها لن ينفعَها لا سلاحُ الطيران الحديث، ولا سلاحُ الدروع، ولا حتى النووي.
وكُلُّ ذلك سيرتدُّ وبالًا عليها، كما هو اليومَ حالُ ثرواتها الاقتصادية، ومواردها الطبيعية، التي حوَّلها الأعداءُ من نِعمةٍ أنعم اللهُ بها على شعوبها، إلى نقمةٍ عليها، أورثتها الذُلَّ والهوانَ، رغم أنها تكفي للنهوض بشعوب الأُمَّــة الإسلامية في مختلف مجالات الحياة، بل تكفي لإعمارِ واستعمارِ قاراتِ الأرض جميعِها، لكن المؤسف أن الشعوبَ العربية -تحديدًا التي تحكُمُها تلك الأنظمةُ الرجعيةُ الخليجية- باتت تدفعُ ثمنَ ذُلِّها وهوانِها من ثرواتِها ومواردِها، فاللهم إِنَّا نعوذُ بك من الخزي والذل والهوان، ونعوذُ بك من أن نَخْذِلَ إخوانَنا في غزةَ، ونبرَأُ اللهم إليك من حُكَّامِ شعوبِ أُمَّتِنا الظالمين الموالين للقَتَلَةِ المجرمينَ.