الإمامُ زيدٌ.. عِلمٌ وجهاد وتجديدٌ واجتهاد
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن للعلم نورًا يشرقُ على العقول فتدرك حقائقَ الأمور، ويتجلى على قلوب الذين اتخذوا التقوى عدتهم، والإيمان بالله والتصديق بما جاء به محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- شعارهم، فبهم صلاح المجتمع لإرشادهم إلى الحق في دينهم ودنياهم.
فمن المعلوم أن أهل بيت النبوة نشأ الدين الإسلامي في بيتهم، وقام بسيوفهم، وسيوف الأنصار، واعتمد على بيانهم لوضوح حجتهم؛ فكانوا أعرف الناس به وأعلمهم يقولون الحق ويسطعون به صابرين محتسبين، دأب الصالحين من قبلهم (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وأنه عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
وهذا الإمام زيد يقول: (عليكم بالجهاد فَــإنَّه قوام الدين، وعمود الإسلام، ومنار الإيمان، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) وله أيضاً:
حُكمُ الكتاب وطاعةُ الرحمنِ
فرضا جهادِ الجائر الخوانِ
كيف النجاةُ لأمة قد بدَّلت
ما جاء في الفُرْقان والقرآنِ
فالمسرعون إلى فرائض ربهم
برئوا من الآثام والعدوانِ
والكافرون بحكمِه وبفرضِهِ
كالساجدين لصورة الأوثانِ
لقد كان الإمام زيد السابق إلى طاعة الله المجاهد في سبيل الله، الداعي إلى الله، الفاضل التقي والبر الزكي مثل جده علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في شجاعته وسخاوته وفصاحته وبلاغته وعلمه وحلمه، كان أفضل أهل زمانه في الخصال، وأجمعهم لشرائط الكمال، وأرث علوم آبائه الأكرمين، وفاتح باب الجهاد لتشييد معالم الدين.
لقد اختص الله الإمام زيد بحفظ علوم الإسلام وروايتها للخاص والعام، فإليه تُعْزَى المكرمات وتنسب؛ فليس أئمة وعلماء الزيدية وحدهم من تتلمذوا عليه فهو شيخهم، ولكنك تجد تسلسل مشيخة علماء الحديث وأئمة المذاهب إليه.
لقد نقل أصحاب التراجم والسير أن الترمذي ومسلم تتلمذا على يد البخاري، والبخاري تتلمذ على يد أحمد بن حنبل، وأحمد بن حنبل كان أحد تلامذة الشافعي، والشافعي تتلمذ على يد مالك، ومالك تتلمذ على يد محمد بن حسن الشيباني، والشيباني تتلمذ على يد أبي حنيفة الذي تتلمذ على يد الإمام زيد بن علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الذي أخذ العلم عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين الذي نقل العلم عن أبيه الإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الذي تعلم من أبيه الإمام علي بن أبي طالب -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الذي أخذ علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد امتاز الإمام زيد بالعلم والتقوى والورع والشرف، فكل العلماء هو إمامهم، فارس أهل بيت النبوة وعلمها الشامخ، وبطل الإسلام، منبع العلوم والعرفان الإمام الشهيد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الذي تنسب إليه الزيدية.
أجمعت الأُمَّــة على إمامته وفضله وعلمه عدا من رفض بيعته فصار في عداد الهالكين.
إنه حينما قلب الجبابرة في هذه الأُمَّــة لأهل بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ظهر المجن تولى أمر هذه الأُمَّــة وتصريف شؤونها ولاة السوء القساة، البعداء عن الحكمة، غلاظ الأكبادـ الذين سفكوا دماء العترة الطاهرة، وكان من أعتاهم يزيد وهشام في دول البغي والظلام غير مراعين في ذلك للأُمَّـة إلًّا ولا ذمة.
لقد كان لوصول الجهال إلى دفة الحكم أثر في استجلاب المحن وإصابة الأُمَّــة في علمائها وأهل بيت نبيها، ويرحم الله البوصيري، حَيثُ يقول في همزيته مخاطباً رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم”:
من شهيدين ليس ينسى الطف
مصابيهما ولا كربلاء
ما رعى فيهما ذمامك مرؤ
وس وقد خان عهدك الرؤساء
أبدل الود بالحفيظة في القر
بى وأبدت ضبابها النافقاء
وقست منهم قلوب على من
بكت الأرض فقدهم والسماء
وشاهد ذلك ما حصل في هذا العصر من الظلم على شهيد القرآن قائد المسيرة القرآنية السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله.
إن جهل الولاة وقسوتهم تزيد النواصب عتواً وفساداً في الأرض بغير الحق من غير تمييز بين الزيدية واليزيدية، والشفاء والشقاء، وهنا تتجلى حكمة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- حين توصى بعترته فقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتابَ الله وعترتي إن اللطيفَ الخبيرَ نبَّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وذلك أتى بيانًا لا تعصبا (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وقوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أرسلناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) وقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).
إن الأُمَّــة اليوم مدعوة إلى إحياء فريضة الجهاد والسير الذي سار عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأئمة أهل البيت المجاهدين الذين جاهدوا في الله، ووهبوا أرواحهم؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله وإصلاح شؤون هذه الأُمَّــة والتشمير للجهاد في فلسطين، واقتلاع الصهيونية اليهودية من جذورها، والسعي لنشر الإسلام في الأرض كلها ليعم الخير والسلام كافة أصقاع الأرض.
فقد آن الأوان لكل الشرفاء والمخلصين أن يسعوا لنشر الإسلام ليتحقّق على أيديهم ما وعد به الرحمن (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّـهِ شَهِيداً).
الشكر الجزيل والثناء الجميل لقائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- ولأنصار الله وحزبه وللمجاهدين من أبناء فلسطين والأمة كلها.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).