ثوراتٌ متقدة.. من رماد جسد ومنهج الإمام زيد
دينا الرميمة
لم تكن مأساة الخِذلان التي كابدها الإمام الحسين في كربلاء من أُمَّـة جده التي لأجل إصلاح أمرها وإخراجها من بوتقة الظلم التي أحاطها بها بنو أمية خرج ثائرا إلا تجسيد للواقع المؤلم الذي تعيشه ومدى الانحراف الذي وقعت فيه حتى جبنت عن مناصرة سبط رسول الله ومن تبقى معه من آل بيته وأصحابه الذين قاتلوا حتى انتهى بهم الأمر أجسادا دون رؤوس على رمال الطف!! في مشهد جعلها تعيش عذاب ضمير استفحل بقلوب أبنائها على اثره اشعلوا ثورات ثأرا من قتلة الإمام الحسين وقتلوا منهم الكثير إلا أن مثلَ هذه الثورات فشلت السبب الذي فسَّره السيد حسين بدر الدين الحوثي بأنه نتيجة التفريط بشخصية عظيمة كشخصية الإمام الحسين!! وعليه عاشت الأُمَّــة تحت الجور الأموي بعد أن وطد الأمويون أركان دولتهم على أطلال الدولة الإسلامية التي أسّسها النبي الكريم تولى خلفاؤها أمر الأُمَّــة إرثًا لا شورى وجعلوا من الإسلام مُجَـرّد طقوس غابت عنها الروح الإيمانية والجهادية واحدثوا فيه من البدع والخرفات التي غيّرت في مضمونه وقيمه الأصيلة ليعود غريبا كبداية ظهوره، وبأحاديث تحرم الخروج على الحاكم وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة.
ألجموا ألسنة العامة والعلماء عن قول الحق ومقارعة الظالمين بالحجّـة!!
وعلى رماد خيام الطف بنيت قصورا تعج برذيلات الأخلاق يتوارد إليها عبيد المال وسلطة تسلطت على رقاب الناس حتى انهارت الخلافة الأموية وَانتقلت إلى المروانيين الذين لم يكونوا بأقل حقدا على الإسلام وبغضا لآل البيت من سابقيهم وبنفس السياسة القائمة على الظلم تداولوا كرسي الخلافة وصلت إلى هشام بن عبدالملك الخليفة السادس من بني مروان من كان يهدّد بالقتل كُـلّ من يأمره بتقوى الله ويسب الروم النبي ويتطاولون على آل بيته في مجلسه دون أن ينزعج أَو يجرؤ أحدا على أن ينهرهم في دلاله على مدى الخنوع والذل الذي احاط بالأمة!!
ولأن سنة الله جرت أن الظالم مهما تمادى في ظلمه فلا بد من يوم يقصم الله فيه ظهره على يد من حملت قلوبهم الروحية الجهادية التي رباهم النبي الكريم عليها وغرست فيهم من الشجاعة؛ ما يجعلهم يتصدون للظالم مهما بلغت قوته؛ فقد جرت مشيئة الله أن يصادف فترة حكم هشام عهد الإمام زيد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-.
وهو الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي طالب الذي تعهَّده أبوه بتربية إيمَـانية وتربية على التقوى والفضل في إطار الاعداد للدور المنوط به كرجل المرحلة القادمة!!
هذه التربية جعلت الأمام زيد مميزا منذ صغره وشديد الشبه بجده علي بن أبي طالب بلاغة وشجاعة وَراثا لمكارم الأخلاق من جده المصطفى، فكان شديد الخشية من الله وشديد الارتباط بالقرآن يسقط مغشيا عليه أثناء تلاوة بعض الآيات؛ ما جعله يحمل لقب “حليف القرآن” وكان لهذا أثره في جعله لا يسكت عن الظلم ومواجهة الجائرين.
حمل هَمَّ إصلاح أُمَّـة جده، ومن باب استشعاره للمسؤولية بدأها بثورة وعي يلقي بذورها في كُـلّ مكان يحط رحاله فيه شعاره فيها البصيرة البصيرة ثم الجهاد، تحَرّكه كان بنفس المشروع والهدف الذي تحَرّك به جده الحسين لإقامة رسالة الله وإحياء دينه وهداية أمته، فكان لديه منهج ديني ومشروع عملي تطبيقي، وكان أهم مبدأ عمل على إحيائه هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤكّـداً أنها «فريضة الله التي إذَا أُقيمت له استقامت له الفرائض بأسرها هينها وشديدها».
واستطاع من خلال ثورة الوعي أن يجمع الكثير حوله، حَيثُ وفي الكوفة لوحدها بايعه أكثر من ستة عشر ألف رجل، بايعوه على السمع والطاعة في معركة السيف والدم ضد الطاغية هشام موعدهم صبح الثاني من صفر/ ١٢٢ه، غير أن خطة التحَرّك كُشفت للأمويين؛ ما جعل الإمام زيدًا يعجّل بالخروج إلى يوم ٢٢/ محرم/ ١٢٢ه.
لكنه فوجئ بنفس السهم الذي طعن ظهر جده الحسين يطعن ثورته وظهره ولم يجد معه سوى مِئتين وثمانية عشرَ مقاتلًا قاتلوا معه في معركة استمرت أَيَّـام ثلاث انتهت باستشهاده إثر سهم أصاب جبهته وأثناء محاولة إخراجه لفظ انفاسه الأخيرة حامدا الله على أن رزقه الشهادة، ووري جثمانه الثرى بشكل سري إلَّا أنه تم اكتشاف قبره وتم إخراجه منه وصلبه.
وعلى الرغم من أنهم قتلوه وذبحوا رأسه ليطاف به على الملأ في الأفاق وصلبوا جسده عاريا مما يستره إلا أنهم كانوا يرون أثر منهجه وثورته بين أعينهم؛ ما جعلهم ينزلون جسده بعد أربع سنوات من الصلب ليحرقوه ويسحقوه رمادا نثروا جزءا منه في نهر الفرات والأخر نثروه في الهواء ظنًّا أن ذلك سيمحي أثره الباقي ويطفئ نيران ثورته، إلا أن ما أخذه النهر أحياه مئة منهجٍ خالد لكل الأجيال في كُـلّ أرض يمر بها وَما تطاير رمادًا في الهواء أشعلته العاتيات من الريح نيران ثورات متقدة في كُـلّ زمان وَمكان على كُـلّ ظالم، فرأينا منهجه وثورته يتجسدان في اليمن التي انتهج أبناؤها منهجه وثاروا بثورته على المعتدين عليهم فانتصروا عليهم وأصبحوا اليوم شركاء غزة في مصابها في ثورة تنتصر للإسلام وَقيمه ومقدساته التي صلبها الأعداء متكئين على أسهم الخذلان.
ومن رماد جسد الإمام زيد أشعلت وقودها ضد الصهاينة والمتخاذلين والمستكبرين وحتما ستنتصر.