جبهةُ الإسناد اليمنية تستعصي على حسابات الأعداء: لا مجالَ لـ “ردع” صنعاء
المسيرة | خاص:
جَدَّدَت تقاريرُ أمريكيةٌ وبريطانيةٌ خِلالِ اليومَينِ الماضيَّينِ تسليطَ الضوءِ على المأزِقِ الصَّعْبِ الذي يواجِهُهُ ثلاثيُّ الشر في مواجهة الجبهة اليمنية المساندة لغزة، حَيثُ أجمعت التقارير على أنه من الصعب جِـدًّا ردع القوات المسلحة اليمنية عسكريًّا أَو حتى الصمود في حرب استنزاف أمامها، مشيرة إلى أن وقف الإبادة الجماعية في غزة يظل هو الطريقة المباشرة المضمونة لوقف العمليات اليمنية.
اليمن “مشكلة عنيدة” لأمريكا:
ونشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، الجمعة، تقريرًا أكّـدت فيه أن اليمن “أثبت أنه مشكلة عنيدة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها” مشيرة إلى أن “أفضل الجهود التي بذلها التحالف بقيادة الولايات المتحدة فشلت في ردع اليمنيين وكبح جماحهم”.
واعتبر التقرير أن الهجمات المساندة لغزة التي شنتها القوات المسلحة اليمنية خلال يوليو الفائت أكّـد “إصرارًا على عدم التراجع”.
وَأَضَـافَ أن “محاولات القصف لن تنجح في إخضاع الحوثيين” حسب تعبير المجلة، مُشيراً إلى أن القوات اليمنية “تستطيع أن تتحمل هجمات أكبرَ وأن تستمر في شن الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل”.
ويرى التقرير أن القتالَ ضد الولايات المتحدة و”إسرائيل” يشكل “جزءًا أَسَاسيًّا” من الهُــوِيَّة التي يعرِّفُ بها اليمنيون أنفسهم من خلال شعار “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”.
واعتبر أن “المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة هي أنها ركَّزت كَثيراً على الأبعاد العسكرية للصراع”، لافتاً إلى أن العمليات اليمنية تكسب صدىً كَبيراً وتعزز الالتفاف الشعبي حول صنعاء.
وَأَضَـافَ أن “الولايات المتحدة لا تملك سوى خيارات قليلة” عندما يتعلق الأمر بالرد على اليمن، مُشيراً إلى أنه “حتى الآن، فشلت الضرباتُ العسكرية، والعقوبات، ومن غير المرجح أن يؤدِّيَ تصعيدُ نطاق وشدة الضربات التي تقودُها الولايات المتحدة إلى تغيير الحسابات أَو الديناميكيات العسكرية للصراع بشكل كبير”.
وأشَارَ التقرير إلى أن القوات المسلحة اليمنية “تستطيع استخدامَ التكنولوجيا منخفضة التكلفة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار في الجو والبحر” لافتاً إلى أن اليمنيين “وبعد عقود من الحرب المتمردة، أصبحوا ماهرين في نقل وإخفاء أصولهم. وحتى لو أسقط التحالفُ -الذي ترعاه الولايات المتحدة- القنابِلَ في جميع أنحاء أراضيهم؛ فَــإنَّ مثل هذا الهجوم لن يقلِّلَ من القدرات العسكرية للحوثيين إلى الحد الذي يوقفُ هجماتهم” بحسب تعبير المجلة.
وَأَضَـافَ أن “الأسوأ من ذلك هو أن حملةَ القصف المتسارعة من شأنها أن تزيدَ من خطر التصعيد وسوء التقدير” وأن توسيع الضربات على اليمن “سيعيد الولايات المتحدة إلى نفس الفوضى التي واجهتها عندما دعمت تدخُّلَ التحالف الذي تقوده السعوديّة في اليمن في عام 2015، حَيثُ أدانت العديد من البلدان والمؤسّسات الدولية هذا التدخل -والدور الأمريكي في تمكينه-؛ بسَببِ الخسائر المروِّعة التي خلَّفها من الضحايا المدنيين والكارثة الإنسانية التي أعقبت ذلك”.
وأشَارَ إلى أن توسيعَ حملة القصف على اليمن ستخلُقُ “زخمًا أكبَرَ لشن هجمات ضد الأصول الأمريكية في المنطقة” معتبرًا أن “واشنطن لا تريد أن تدعو إلى مثل هذا التصعيد”.
وخَلُصَ التقريرُ إلى “الطريق الأكثر مباشرة” لإيقاف الهجمات اليمنية هي “التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة”.
وبدون ذلك اعتبر أن “أفضلَ فرصة” أمام الولايات المتحدة لمواجهة العمليات اليمنية المساندة لغزة هي “إدارة حملة إعلامية خَاصَّة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه هذه العمليات.
لا يمكن لواشنطن استنزافُ اليمن:
من جهتها نشرت مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية، يوم الخميس، تقريرًا أكّـد أن “القصف الجوي للأهداف العسكرية في اليمن من قبل الطائرات الأمريكية والبريطانية لم يضعف حكومة صنعاء” بل أبرز دورها الإقليمي، مُشيراً إلى أن “شعار (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل) أصبح سياسة قابلة للتنفيذ”.
وأضافت المجلة أنه “لا يمكن للقوات المتحالفة أن تأمل في الفوز في حرب من الجو، وخَاصَّة ضد منطقة معادية معروفة بكهوفها الجبلية التي تعبر المرتفعات الشمالية للبلاد؛ فقد صمدت هذه التضاريس نفسها أمام قرون من الحروب الإمبراطورية العثمانية، وخمس سنوات من الغارات الجوية المصرية المكثّـفة خلال الستينيات، ومؤخّراً حملة القصف والحصار السعوديّ في عام 2015”.
وأوضحت أن القوات المسلحة اليمنية “التي قاتلت السعوديّين حتى أوقفتهم، والتي ينحدر مقاتلوها من نفس القبائل التي اشتبكت مع العثمانيين والمصريين، تعرف جيِّدًا عبث الحملات الجوية، وعليه فَــإنَّها مستعدة لانتظار انتهاء الصراع إلى الأبد”.
وأضافت أنه “وإذا كانت إدارة بايدن تأمل في أن تصمد أكثر من الحوثيين في حرب استنزاف، فقد خسرت الرهان بالفعل”.
الضربات “الإسرائيلية” بلا قيمة عسكرية:
وفي تقرير نشره يوم الجمعة، أكّـد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (وهو مركز أبحاث بريطاني) أن القصف الذي نفذه العدوّ الصهيوني على الحديدة “لن يكون له على الأرجح تأثير عملي أَو نفسي” على اليمن، معتبرًا أن اختيار خزانات الوقود كأهداف للقصف يشير إلى عدم امتلاك العدوّ بنك أهداف عسكرية رئيسية في اليمن.
وَأَضَـافَ أن استهداف مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار “يتطلب أصولًا منتشرة مسبقًا في اليمن ومحيطها؛ مِن أجلِ رد الفعل السريع، وهو ما لا تملكُه إسرائيل” مُشيراً إلى أن الضربات الأمريكية والبريطانية على هذه المواقع “فشلت حتى الآن” وهو ما دفع العدوَّ الإسرائيلي إلى اختيار أهدافٍ أُخرى غير عسكرية “من أجل تحقيق أثر سياسي” حسب التقرير.
وأكّـد التقرير أنه “إذا كان الهدفُ من الغارات الجوية هو ردع الحوثيين عن شن المزيد من الهجمات؛ فلا يبدو أنها نجحت” مُشيراً إلى أنه السيد عبد الملك الحوثي قد أعلن عقب الهجوم على تل أبيب عن “مرحلة جديدة من الهجمات ضد إسرائيل”.
وَأَضَـافَ أن القوات اليمنية “ستواصل بلا شك شن الهجمات على “إسرائيل” وعلى السفن في البحر الأحمر وخليج عدن طالما سمحت لها أسلحتها بعيدة المدى بذلك”.
وأشَارَ التقرير إلى أن الهجومَ “الإسرائيلي” على محافظة الحديدة زاد من حشد الدعم الشعبي للعمليات اليمنية المساندة لغزة في مختلف أنحاء العربي، حتى بينَ “أُولئك الذي يعارضون” صنعاءَ، كما “زاد من عزل “إسرائيل” عن دول الخليج التي تفضِّلُ البقاءَ على الحياد على الرغم من قلقها تجاهَ الدعم اليمني للفلسطينيين”.
***
هذه التقاريرُ -التي تُضافُ إلى سلسلة طويلة من الدراسات والاعترافات العسكرية الرسمية التي أكّـدت خلال الفترة الماضية صعوبةَ المواجهة مع اليمن ووقف جبهة الإسناد اليمنية لغزة- تبرهن نجاح القوات المسلحة اليمنية في تثبيتِ موقعها المؤثر والمتقدم في الصراع مع العدوّ الصهيوني ورعاته، كأمر واقع لا مجالَ لتجاوزه أَو إلغائه، كما تبرهن على أن كُـلّ الحسابات التي يعول عليها الأعداءُ لردع اليمن -بدءًا من الضغط العسكري، وُصُـولاً إلى الابتزاز السياسي وحملات التشويه- ليست سوى خيارات اضطرارية لحظية لا أفقَ لها؛ لأَنَّها مدفوعة بحقائق العجز المعترَفِ به عن ردع اليمن.