“أبو العبد” شهيد على طريق القدس
بشرى خالد الصارم
لم تُثْنِهِ الصعوبات، ولم تُعِقْه التحدياتُ أَو خِذلانُ الدول المطبعة، ولم تحده المسؤوليات أَو المعركة الجارية، وحتى مكان الاغتيال، كلها اعتبارات تحضر خلال قراءة مشهد اغتيال رئيس المكتب السياسي حماس” إسماعيل هنية” في قفزةٍ إسرائيليةٍ نحو المجهول المحتوم.
كان رجل التوازنات داخل الحركة وخارجها يضبط إيقاع الآراء المختلفة، مع ذلك بقي رجل مبادئ، حَيثُ يجب، وأهمها أنه لم يتأثر بسلسة ضغوطٍ عربية وإقليمية لثنيهِ عن العودة إلى الحضن الأَسَاسي للمقاومة تماماً، حَيثُ استشهد.
لـ “أبي العبد” تاريخ طويل في المقاومة يوازي نصف عمر النكبة الفلسطينية، بدأه من مخيمات اللجوء، حَيثُ صقلت شخصيته بين اللاجئين والفقراء، وحتى عندما صار رئيس وزراء لاحقه تاريخه ليكون الحصار والمقاطعة الغربية سداً أمام الحكومة الفلسطينية العاشرة، ليعود إلى صفوف الحركة رئيساً لها في غزة ثم رئيساً لمكتبها السياسي.
وفي (طوفان الأقصى) خسر هنية جزءاً عزيزاً من أسرته في أكثر من ضربة، أولهم أبناؤه الثلاثة وعدد من أحفاده، وآخرهم شقيقته، في رسائل إسرائيلية بالدم إلى قائد المقاومة الفلسطينية، لكنه لم يتخلَ عن صلابته في المفاوضات التي يبدو أن أفقها سيغلق مع اغتياله إلى أن تجبر “إسرائيل” على العودة إليها، فقد كان هنية رعبهم الذي لا يمحى، وخوفهم الذي لا زوال منه؛ ظناً منهم أن باغتياله سيتخلصون من هذا الرعب وهذا الخوف.
يرحل هنية اليوم بعد أن كان ضيفاً عزيزاً في طهران بجسده ودمه، في العاصمة التي دعمت وتدعم المقاومة عُمُـومًا وحركته خُصُوصاً، وسط مرحلة حساسة تمر بها حماس وغزة وفلسطين والمنطقة وحتى العالم، وفي خضم معركة (طوفان الأقصى) التي كان “أبو العبد” وجهاً بارزاً في قيادتها سياسيًّا وإعلامياً.
وصول هنية لرئاسة المكتب السياسي لحماس ليس وليد مصادفة ولا حظ، بل هو مسار معبد بالسجن والإبعاد والتضحيات، ليقود حماس في أصعب استحقاق تمر به الحركة بل قضية فلسطين كلها، وهو واقع يلقي على كاهلِ خلفه أياً كان تحديات كبيرة خُصُوصاً أن نائب حماس استشهد قبل رئيسها، لكنها ليست المرة الأولى التي يستشهد فيها قادة الحركة، وهَـا هي تواصل المسيرة حتى النصر، وكما كانت كلمته العظيمة “وإنه لَجهاد نصرٌ أَو استشهاد” فقد أخذ هنية الشهادة وحتماً النصر للبقية من بعده.