ملحمة (طوفان الأقصى) البطولية في يومها 310: إحرازُ “النصر الكامل” على المقاوَمة مُجَـرّدُ فقاعاتٍ من الصابون تُنثَرُ في الهواء

المسيرة | خاص

ليسَ ما بعد الـ7 من أُكتوبر 2023م، كما قبله، هذا ما تؤكّـدُه على الأقل كُـلُّ المعطيات العسكرية والسياسية داخلَ كيان الاحتلال الصهيوني؛ ونظراً للمشهد المعقَّد في تراتيب المعركة تتباين الآراء وتتداخل النتائج، بعد عشرة أشهر من انطلاقتها حول من يحسمها لمصلحته.

لليوم الـ 10 بعد الـ 300 يوم من معركة (طوفان الأقصى)، تواصل فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تصديها لقوات الاحتلال الإسرائيلي في المحاور كافة، لا سِـيَّـما جنوبي القطاع، حَيثُ تتركز المعارك في رفح وخان يونس؛ ما يُكبّد الاحتلال المزيد من الخسائر في صفوفه وفي عتاده وآلياته.

 

محاولاتُ العدوّ الفاشلة في انتزاع نصر وهمي:

وفقاً لاستراتيجيات الحروب المتعارف عليها عالميًّا؛ غالبًا ما يُقاسُ النصرُ في الحرب بمدى تحقيق الأهداف المعلَنة التي كانت سببًا في بدء الصراع، لكن إذَا لم يتم تحقيقُ هذه الأهداف أَو جزء من غاياتها، فلا يُعتبر الطرف الذي خاضها منتصِرًا، حتى ولو ألحق خسائرَ كبيرة بالطرف الآخر.

يدَّعي كيانُ الاحتلال أنه حقّق أهدافَه العسكرية من خلال تدميرِ بنية تحتية هامة لحماس وقتل عدد من قادتها، وصرح رئيس وزراء الكيان “بنيامين نتنياهو” بأن “النصر قريب”، وأكّـد أن قواته تقتربُ من تحقيق هدفها المعلن وهو “القضاء على حماس وتدمير قدراتها العسكرية”.

ومع ذلك، تشير تقاريرُ عبريةٌ إلى أن حماس قد تمكّنت من إعادةِ بناء بعض قدراتها العسكرية رغم الهجمات المكثّـفة، وهذا يعني أن الصراعَ لم ينتهِ بشكلٍ حاسم وأن حماس لا تزالُ قادرةً على المقاومة، وبالتالي، يمكن القولُ: إن تحقيق “النصر” يعتمد على كيفية تعريف الأهداف وما إذَا كانت قد تحقّقت بالكامل.

وسائل إعلام عالمية أشَارَت إلى أن الوضعَ الميدانيَّ في غزة معقَّدٌ للغاية، على الرغم من الضربات الإسرائيلية المكثّـفة، إلا أن فصائلَ المقاومة لا تزالُ تحتفظُ بقدراتها على القتال وإعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية، وهذا يعكسُ قوةَ التنظيم وقدرته على التكيف مع الظروف الصعبة.

وبناءً على هذه المعطيات، فالمقاومة لا تزالُ تحتفظُ بقدرة كبيرة على التأثير والسيطرة، مع قدرتها على التكيف والاستمرار رغم الضغوط والضربات العسكرية، خُصُوصاً بعد اغتيال القائد “إسماعيل هنية”، ليتولى مهندس الـ7 من أُكتوبر القائد “يحيى السنوار” قيادة الحركة، وهذا تصميم منها أن لا تعطيَ “إسرائيلَ” إمْكَانيةَ إحرازِ أي نصر حاسم على الأرض.

 

 (طوفان الأقصى) تكشفُ حدودَ القوة العسكرية للكيان:

إذا كانت حقيقة أن معركة (طوفان الأقصى) قد تجاوزت هذا الأسبوع رقم العشرة أشهر، تؤكّـد أنها حاضرة ومتواجدة بكل قدراتها وقواتها وتصميمها وإرادتها، وتقول في المقابل: إن التصريحات العظيمة من قبل قادة الكيان حول “النصر الكامل” كانت طوال هذا الوقت مُجَـرّد فقاعاتٍ من الصابون يثيرونها في الهواء.

وبشكلٍ أكثر دلالة ووضوحاً، يتأكّـد أن ذلك النصر الوهمي المنشود، وفقاً لخبراءَ متنوعين، بمن فيهم “كورت كامبل”، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، ليس “محتملاً أَو ممكنا” في هذه الحرب – ليس الآن وليس في المستقبل البعيد”.

وتشير مراكز دراسات عالمية إلى أنهُ ورغم أن الكيان نجح في هذه الحرب – وهي حربٌ شنها كما لو كان مدفوعاً بقوى انتقامية بدائية وفوضوية غير منطقية – في إبادة حياة عشرات الآلاف من النساء والأطفال في غزة، كما نجح في إبادة غزة نفسها كمكانٍ صالح للسكن البشري، ويتم تحويلها يوميًّا إلى المزيد من الأنقاض الخالية من السكان، إلا أنه لم ينتصر على المقاومة.

ويثير مراقبون أمريكيون، مقارناتٍ أكثر انسجاماً مع الواقع؛ كون هذا “النوع من الدمار يستجيب للخطاب غير المفصلي” الذي يردّده القادة والمستوطنون الصهاينة المتطرفون المفتولُ العضلات الذين يحثون قواتِهم العسكرية على “قصفهم مرةً أُخرى.. وردهم إلى العصر الحجري”، وهو مصيرٌ كان يتمناه في الأصل على الشعب “الفيتنامي” الجنرال في سلاح الجو الأمريكي “كورتيس لو ماي” في عام 1962م.

وسائل إعلام غربية وصفت ما تفعله “إسرائيلُ” في غزة باسم “الدفاع عن النفس”؛ أمرٌ شائنٌ وغيرُ متناسب؛ فالردُّ العسكريُّ الذي يتسم بقصف لا هوادةَ فيه وحصار خانق، يلحقُ معاناة لا توصف بالسكان المدنيين، وتحولت أحياءً بأكملها في غزة إلى أنقاض، بما فيها البنيةُ التحتية وضروريات الحياة الإنسانية الأَسَاسية.

في واشنطن، عبَّر تقريرٌ صدر في فبراير الماضي، عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، المعروف باسم التقييم السنوي لمجتمع الاستخبارات الأمريكي، عن شكوكٍ حول قدرة “إسرائيل” على تدمير المقاومة الفلسطينية بالكامل، مُشيراً إلى أنهُ من المحتمل أن تواجهَ “إسرائيلُ” مقاومةً مسلحةً طويلة الأمد من حماس لسنوات قادمة.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن “دوغلاس لندن”، وهو ضابطٌ متقاعدٌ في وكالة الاستخبارات المركزية قيل إنه أمضى 34 عاماً في الوكالة، قوله: إن “المقاومة الفلسطينية لإسرائيل.. هي فكرةٌ بقدر ما هي مجموعة مادية ملموسة من الناس. وعلى الرغم من الضرر الذي قد تلحقه “إسرائيل” بحماس، فَــإنَّها لا تزالُ تتمتعُ بالقوة والقدرة على الصمود والتمويل وطابور طويل من الناس ينتظرون على الأرجح التسجيلَ والانضمام بعد كُـلّ القتال وكل الدمار وكل الخسائر في الأرواح”.

وينسجم هذا مع ورد عن المتحدث باسم “جيش الاحتلال”، “دانيال هاغاري”، في يونيو الماضي، مكرّراً تقريبًا ملاحظة “دوغلاس”، وقال: إن “العمل على تدمير حماس، وجعل حماس تختفي، هو ببساطة رمي الرمال في أعين الجمهور”، “أي شخص يعتقد أننا نستطيع القضاء على حماس هو مخطئ”.

 

المشهد العام لعمليات اليوم العاشر بعد 300 يوم:

في السياق، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، استهدافَها بوابل من قذائف الهاون جنودَ الاحتلال وآلياته شمالي شرقي مدينة خان يونس، جنوبي القطاع.

كما استهدفت السرايا بعدد من عبوات “أبابيل” المقذوفة مقرَّ قيادة تابعاً لجيش الاحتلال في محيط تبة الـ86 “الكرد” شمالي شرقي خان يونس، ونشرت مشاهد من استهداف مدينة “عسقلان” المحتلّة ومستوطنات “غلاف غزة” برشقات صاروخية.

كتائبُ القسام من جهتها، استهدفت ناقلةَ جُند صهيونية بقذيفة “الياسين 105” بمنطقة “زلاطة” شرقي مدينة رفح، وقالت في بيان: “استهدفنا بقذيفةٍ قوةً صهيونيةً تحصَّنت داخلَ مبنى غربي رفح جنوبي قطاع غزة، وأوقعنا أفرادها بين قتيل وجريح”.

بدورها، استهدفت كتائب شهداء الأقصى بوابل من قذائف الهاون تجمعاً لجنود الاحتلال في محور شمالي شرقي خان يونس، ونشرت مشاهد من دكَّ مقاتليها تحشدات الاحتلال وتمركزاً للآليات وسط مخيم “يبنا” جنوبي مدينة رفح ومحيط “معبر رفح” بقذائف الهاون عيار “60”.

من جانبها، أكّـدت قوات “الشهيد عمر القاسم”، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، استهدافها بقذائف الهاون تموضعاً لقوات الاحتلال في محيط الحديقة اليابانية في حي “تل السلطان” غربي مدينة رفح، جنوبي القطاع.

في الإطار، دارت اشتباكات شرسة بين مجاهدي المقاومة وقوات الاحتلال في حييْ “زلاطة والتنور”، شرقي مدينة رفح؛ ما جعل جيشَ الاحتلال يكثّـف مناوراته البرية في الأيّام الماضية، وبات لا يستقرُّ في مكانٍ؛ خشيةً من عمليات المقاومة المميتة.

إلى ذلك؛ أقرّ جيشُ الكيان الإسرائيلي بإصابة 12 جندياً في المعارك الدائرة في القطاع، خلال الـ24 الساعة الماضية، ومنذ بداية ملحمة (طوفان الأقصى)، اعترف تحت بند “سُمح بالنشر”، بمصرع 692 ضابطاً وجندياً.

كما اعترف جيشُ الكيان بإصابة 4284 ضابطاً وجندياً، بينهم 2190، منذ بدء العملية البرية، علماً أن العددَ الحقيقي للقتلى والجرحى أكبرُ من ذلك بكثير، وهو ما توثّقه عمليات المقاومة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com