غزة تنزفُ والعالَمُ يتفرج
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
خلال العشرة الأشهر الماضية ارتكب العدوّ الصهيوني مئات المذابح في غزة الصامدة، مبرّراً لنفسه ذلك بأنه يستهدف قادة حماس والجهاد، ولكن ما نراه على الشاشات أن مَن يستشهدُ هم الأطفالُ والنساءُ وكبارُ السن والمدنيون، من أساتذة جامعة ومعلمي مدارس ورجال دفاع مدني وصحفيين وموظفي منظمات دولية وإنسانية، ويرتكب العدوّ المجزرة تلو الأُخرى والعالم ينظر ويتفرج دون أن يتخذ موقفًا ضد العدوّ الصهيوني، وَإذَا قارنا ما يحدث في غزة بحروب في دول أُخرى فسوف نجدُ فوارقَ كبيرةً في مواقف الدول وخَاصَّة الكبرى منها التي تدَّعي سهرها على حقوق الإنسان، فلو حدث وأن قُتل موظف أممي أَو صحفي في دولة إفريقية أَو آسيوية أَو في إحدى دول أمريكا الجنوبية، فسوف تجتمعُ المؤسّسات الدولية وتفرض العقوباتِ وتتعالى الأصوات بالإدانة والتأنيب لمن ارتكب تلك الجريمة، ولكن في غزة قتل المئات من أُولئك ولم يحدث شيء.
ويمكن أن تتسببَ الجرائم التي يتم ارتكابُها في غزة يوميًّا في انهيار النظام العالمي الذي فرضته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على مختلف دول العالم؛ فبعد الحرب تم إنشاء مؤسّسات دولية والاتّفاق على أنظمة وقوانينَ؛ بهَدفِ تنظيم العلاقات بين الدول؛ حتى لا تتكرّر المآسي التي وقعت في معظم أنحاء العالم خلال الحربَينِ العالميتَينِ الأولى والثانية، وبدأت شعوب العالم الضعيفة تعتمد على المؤسّسات والقوانين الدولية لحمايتها من الأخطار التي قد تتعرض لها من الدول الأُخرى، ولكن جرائم غزة أصابت تلك الشعوب بالصدمة وعدم اليقين؛ لأَنَّ ما حدث أثبت أن تلك المؤسّسات والقوانين هدفُها حمايةُ مصالح وحلفاء الدول الكبرى وليس لها علاقة بالشعوب المستضعفة، خَاصَّةً بعد أن شاهد الجميعُ فشل مجلس الأمن الدولي في اتِّخاذ قرار حاسم يوقفُ المذابح والحرب في غزة، وأن معظم الدول المؤثِّرة تنتظر الموقف الأمريكي من الجرائم المرتكَبة سواءٌ أكان سلبياً أَو إيجابياً، وبعد ذلك تتبع تلك الدول أمريكا كالقطيع بغض النظر عن حجم الجريمة أَو موقف المنظمات الدولية والإنسانية، وخلال الحرب في غزة كان الموقف الأمريكي يصب في صالح الكيان الصهيوني من خلال تبرير تلك الجرائم.
ولهذا كانت اليمن من أوائل الدول التي كفرت بالنظام الدولي ومؤسّساته، التي لم ترفع ظلماً عن مظلوم أَو تعيد حقاً لمستضعَف، وعلى الجميع الإعلانُ بالصوت العالي رفضَ هذا النظام الظالم، ونتعاونَ لنبنيَ نظاماً عالمياً جديداً.