ما مخاطرُ الحضور المكثَّـف للأساطيل الأمريكية في المنطقة؟
المسيرة – خاص
ضاعَفَت الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ خلالَ الأسابيع الماضية من حضورها العسكري الكبير في المنطقة، بالتوازي مع استعداداتٍ مكثّـفةٍ للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة لتوجيه ضربة موجعة للكيان الصهيوني.
وأصدر وزيرُ الحرب الأمريكي لويد أوستن قبلَ أَيَّـام بتسريعِ انتقالِ المجموعة الضاربة لحاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” المجهَّزة بمقاتلات F-35C إلى منطقة القيادة المركزية، إلى جانب “روزفلت” وكذلك توجيه حاملة الطائرات “يو إس إس جورجيا” (SSGN 729)، التي تُعد من الغوَّاصات الهجومية المتطورة والقادرة على حمل صواريخ كروز، إلى المنطقة.
وقبلها بأيامٍ، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل أسراب من طائرات الإف22 وإف 35 من قواعدها في أُورُوبا إلى قاعدة العديد في قطر.
ويرى الصحفيُّ المتخصِّصُ في الشؤون العسكرية، كامل المعمري، أن التحَرُّكاتِ الأخيرةَ للولايات المتحدة، بما في ذلك توجيه الغواصة النووية “يو إس إس جورجيا” وحاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” إلى منطقة القيادة المركزية، وقبلها بأيام نقل أسراب من طائرات إف 22 وإف 35 من قواعدها في أُورُوبا إلى قاعدة العديد في قطر تأتي في وقت شديد الحساسية، موضحًا أن دول محور المقاومة، التي تضم قوىً رئيسيةً مثل إيران، حزب الله، والجيش اليمني والمقاومة العراقية، تستعدُّ حَـاليًّا لردٍّ عسكري على الكيان الصهيون، وهذه الاستعداداتُ العسكرية من جانب محور المقاومة ليست مُجَـرّد تهديدات فارغة؛ فهي تأتي في أعقابِ سلسلةٍ من التصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد إيران واليمن ولبنان والعراق، وبالتالي فَــإنَّ محور المقاومة يعتبر أن الردَّ العسكريَّ على “إسرائيل” بات ضرورةً، ويبدو أنه مستعدٌّ لتصعيد الصراع إذَا ردت “إسرائيل” بالتصعيد، وفي هذا السياق، الولايات المتحدة، التي تعتبر حليفًا رئيسيًا للكيان المجرم، تجد نفسَها في موقفٍ محرج.
ويشيرُ إلى أن هذه “التحَرّكاتِ هي جزءٌ من استراتيجية تهدفُ إلى محاولة صَدِّ الهجمات المتوقَّعة من دول محور المقاومة، لكن في حال تصاعدت التطوراتُ بشكل أكبرَ، قد تجدُ الولايات المتحدة نفسَها مضطرةً للدخول في حرب مباشرة للدفاع عن “إسرائيل” وحماية مصالحها في المنطقة”.
ويضيفُ المعمري أن “هذه التحَرُّكات تأتي في ظل تصاعد التهديدات البحرية اليمنية، حَيثُ أعلن الجيشُ اليمني بوضوح أن أية تحَرّكات أمريكية تدعمُ “إسرائيل” في المسرح البحري تعتبر أهدافًا مشروعة”، لافتاً إلى أن هذا “الإعلان يعكس الثقة المتزايدة لدى الجيش اليمني بقدراته البحرية والتكتيكية، والتي أثبتت قدرتها على إلحاق أضرار ملموسة بالبحرية الأمريكية”.
موقفٌ محرجٌ لأمريكا:
وتعاني القواتُ البحرية الأمريكية من واقعٍ مأساوي؛ جراء عجزها عن كبح جماح القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر والعربي، والمحيط الهندي، وُصُـولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وهذا يضع واشنطن في موقف محرج؛ الأمر الذي قد يدفعها إلى تعزيز الردع أَو محاولة استعادة هيبتها، بحسب المعمري.
وتجاهر واشنطن أمام العالم بأنها تقف إلى جانب الكيان الصهيوني، بل إن معظم التقارير تؤكّـد ضلوع أمريكا في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وإن القوات الأمريكية تشرف مباشرة على ما يحدث في القطاع.
ويرى المعمري أن “التصعيدَ الأمريكيَّ في منطقة القيادة المركزية يعكسُ توترًا كَبيراً في العلاقات العسكرية بالمنطقة، ويضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع دول محور المقاومة، وأن هذا التصعيدَ يحملُ في طياته احتمالاتٍ لاندلاع مواجهة واسعة النطاق، قد تبدأ بعملياتٍ بحرية، ولكنها قد تتوسَّع لتشملَ عمليات جوية وصاروخية واسعة النطاق بين الطرفَينِ”.
وفي المجمل، يؤكّـدُ المعمري أن “محور المقاومة يظهر مجدّدًا أنه ليس مُجَـرّدَ لاعب ثانوي في المنطقة، بل هو قوةٌ رئيسية تستطيع أن تغيِّرَ موازينَ القوى الإقليمية”، منوِّهًا إلى أن “التحَرّكات الأمريكية -مهما كانت- لن تغيِّرَ من هذه الحقيقة، بل قد تزيدُ من عُزلة الولايات المتحدة، وتجعلُها تواجِهُ المزيدَ من التحديات في منطقة كانت تعتقدُ أنها تستطيعُ السيطرةَ عليها بلا منازع”.
توقيتٌ حَسَّاس:
وحولَ دلالة توقيت هذه التحَرّكات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، يؤكّـد المعمري أن ذلكَ “يعكسُ تعقيدَ الوضع الإقليمي وتزايُدَ التوترات، خَاصَّةً مع استمرار العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة وعدوانه على إيران واليمن ولبنان والعراق”، معتبرًا هذه التحَرّكات تأتي في لحظة حرجة، حَيثُ تتزايد احتمالات التصعيد؛ مما يضع الولايات المتحدة في موقف دفاعي أمام صعود محور المقاومة، الذي نجح في تغيير موازين القوى الإقليمية.
ويلفت إلى أن التحَرّكات الأمريكية الأخيرة لتعزيز وجودها العسكري في منطقة القيادة المركزية “لن تغير من المعادلة شيئاً، بل على العكس، قد تجعل هذه الأساطيل أهدافاً سهلة للجيش اليمني، الذي أظهر خِبرةً طويلةً في التعامل مع مثل هذه التهديدات”.
ويرى المعمري أن “الجيشَ اليمني، الذي يمتلكُ قدراتٍ بحريةً وصاروخية متطورة، قد برهن في السابق على قدرته على استهدافِ وتحييد القطع البحرية الأمريكية في المنطقة، وأنه ومع استمرار تصاعد التوترات، فَــإنَّ الأساطيلَ الأمريكية المتزايدة في المنطقة قد تصبح عبئاً استراتيجيًا، بدلاً عن أن تكون عاملَ ردعٍ؛ مما يزيد من احتمالية تعرضها لهجمات ناجحة من قبل الجيش اليمني”.
ويؤكّـد المعمري أن “هذه السيناريوهات المحتملة تزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للولايات المتحدة، حَيثُ قد تجد نفسَها في موقف دفاعي، مضطرةً للتعامل مع خسائرَ محتملة في صفوف قواتها البحرية. هذا الوضع قد يعزِّزُ من الثقة لدى محور المقاومة ويُضعِفُ من هيبة القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة”.
في النهاية، يخلُصُ المعمري إلى أن “زيادةَ عدد الأساطيل في المنطقة لن يُغَيِّرَ من حقيقة أن الولايات المتحدة تواجِهُ خصومًا يتمتعون بخِبرة قتالية وقدرة عالية على التكيف مع الظروف الميدانية؛ مما قد يؤدي إلى نتائجَ غير متوقعة لصالح محور المقاومة”، مشدّدًا على “ضرورة أن تكون دول محور المقاومة مستعدَّةً لكل هذه السيناريوهات؛ إذْ إنَّ التحَرُّكاتِ العسكريةَ الأمريكيةَ قد تزيدُ من احتمال اندلاعِ مواجَهةٍ واسعةِ النطاق في المنطقة”.
ويدعو المعمري محور المقاومة إلى أن يأخُذَ في الاعتبار أن الولايات المتحدة، إلى جانب حلفاء آخرين، “قد يدخلون هذه المعركة، إذَا تطورت الأحداثُ بشكلٍ أكبرَ، وهذا يستدعي تعزيزَ الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي تصعيد محتمل”.