لماذا الصمتُ العربي والإسلامي تجاهَ جرائم الإبادة الصهيونية في غزة؟!
المسيرة – عباس القاعدي:
يواصلُ الاحتلالُ الإسرائيلي مجازِرَ الإبادة الجماعية في قطاع غزةَ، على وَقْعِ صمتٍ وتجاهُلٍ عربي وإسلامي يصلان إلى حَــدَّ التأكيد على التواطؤ مع العدوّ الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإقامة ما يسمى دولة “إسرائيل الكبرى”.
ويرى الناشط السياسي سند الصيادي أن “هذا الصمتَ يُلقِي بظلالِه على واقعِ المشهد الفلسطيني بالدرجة الأولى؛ إذ يستغلُّ كيانُ العدوّ الصهيوني حالةَ التواطؤ والصمت والخِذلان العربي ليمعِنَ في ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة والقتل الجماعي للنساء والأطفال في غزة، وهو يعلم أن ذلك لا يمكن أن ينعكسَ على حالة العلاقة الدبلوماسية مع البلدان المطبِّعة على وجه التحديد، كما أنها تزيدُ من طمأنته من أية مخاوفَ حول تحَرّكات عسكرية أَو سياسية أَو شعبيّة”.
ويضيف: “هذا التواطؤ والخِذلانُ والخيانة العربية للشعب الفلسطيني تنعكسُ سلباً على المواقف الأممية والدولية المساندة للحق الفلسطيني، والتي من الممكن أن تتقدَّمَ في مواقفها التصعيدية تجاه الكيان الصهيوني في حال رأت أن هناك التفافًا عربيًّا شعبيًّا ورسميًّا عريضًا مع القضية الفلسطينية، يحفِّزُها للانخراط في المشهد بشكل أكبرَ؛ وبما يفلح في وقف العدوان والمجازر والجرائم الوحشية وينجح في إدخَال المساعدات”.
وبقدر ما للخيانة العربية هذا الأثرُ الكبير على واقع الصراع، يرى الصيادي أنَّ “دُخَانَ الخيانة والصمت والارتهان للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة لن يتوقف عند حدود غزة والمناطق الفلسطينية المحتلّة، بل سيشمل الجغرافيا العربية والإسلامية عامة، وخُصُوصاً أنظمة تلك الدول التي تماهت مع الكيان وفضَّلت أن تحافِظَ على بقائها في سدة الحكم ومصالحها عن الانتصار للقضية، لن يوفرها الكيان الصهيوني أَو يسقطَها من قائمة الانتقام أَو من دائرة المخطّطات التوسعية الخبيثة، وَإذَا ما اكتوت بالنار التي ساهمت في إشعالها بغزة أَو صمتت عنها، فَــإنَّها لن تكونَ جاهزةً على كافة مستويات التحضير للمواجهة لإخمادها في الداخل، كما أنها لن تلقى الإسناد الشعبي لها بناءً على خيانتها وفسادها، وبطبيعة الحال هذه سنن الله؛ فالذين ارتضوا هذه الأنهار من الدماء لن يكونوا بمنأى أَو بمعزِلٍ عن الانتقام الإلهي، وقد أثبتت الأحداث ومراحل الصراع مع العدوّ الصهيوني هذه الحقائق”.
ووفق الصيَّادي فَــإنَّنا في يمنِ المقاومة والإسناد، وعلى المستوى الشعبي والرسمي قمنا بواجبنا الديني والعروبي والأخوي والإنساني مع الأشقاء في فلسطين، فيما فضَّل الآخرون أن يكونوا في قائمة الخزي والعار التاريخي، مُشيراً إلى أن “الإسناد اليمني على مختلف المجالات قيادةً وشعباً وجيشاً ما يزال مُستمرّاً، رغم المخطّطات الهادفة لوقف العمليات العسكرية المساندة للمقاومة الفلسطينية والتي تم إفشالها، ولن يكون اليمن لقمةً سائغةً لثلاثي الشر، وجاهزون لمجابهته على مختلف مسارات الصراع”.
شعوبٌ حُـــرَّةٌ وأنظمةٌ عميلة:
وحول مواقف بعض الشعوب العربية والإسلامية مقارنةً بالأنظمة، يقول الناشط السياسي والحقوقي علي جسار: “إن هناك فارقًا كبيرًا بين مواقف الأنظمة العربية ومواقف الشعوب العربية، وذلك فيما يتعلق بما يجري في غزة من الإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي”، مُضيفاً أن “سلبيةَ الأنظمة العربية والإسلامية واتّفاقيات التطبيع من العوامل التي تشجِّعُ الاحتلالَ على استمرار عدوانِه على قطاع غزة، ومع ذلك فَــإنَّ ثقة الشارع العربي كبيرة بالمقاومة الفلسطينية وبمصداقيتها وبطرحها ومواقفها”.
وفي تقييم مشروعية ما قامت به حماس في إطلاق (طوفان الأقصى)، وفق جسار، “يرى أغلبية الرأي العام العربي أن تلك العملية مقاومة مشروعة، فيما ترى قلة من الشارع العربي لا تتجاوز 5 % فقط أنها لم تكن كذلك؛ وبالتالي، فَــإنَّ إدانة بعض الأنظمة العربية عملية حماس كانت مخالِفةً لنبض الشارع العربي وتوجّـهاته، وهي بالتأكيد تعكسُ ارتهانَ مواقف تلك الأنظمة للمواقف الأمريكية والغربية التي تدعمُ وبقوة استمرار تلك الإبادةَ الجماعية”.
وبحسب جسار فَــإنَّ “العدوان الإسرائيلي على غزة وجرائمه الوحشية واستمراره في جرائم الإبادة الجماعية معطيات هزت قناعات الرأي العام العربي بإمْكَانية إقامة سلام مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أن تلك المعطيات عززت أُطروحات المقاومة بشكل كبير وكاسح، وهي بالضرورة تظهر ضعفَ شعبيّة السلطة الفلسطينية واقتناعَ الرأي العام العربي بعبثية مبادرات السلام العربية مع الاحتلال”.
ويؤكّـد الناشط جسار أن “مواقف الشعوب العربية مثَّلت رسالةَ غضب واضحةً وجليةً إلى الغرب -خَاصَّة الولايات المتحدة الأمريكية- جراء دعمه جرائم الاحتلال، وأظهرت ضعف المصداقية الأمريكية في الشارع العربي؛ فالدعمُ الأمريكي يشكِّلُ أهمَّ عاملٍ من العوامل التي تساهمُ في استمرار عدوان “إسرائيل” على غزة“.
وعلى الجانب الآخر يتحدث جسار أن “مواقف الأنظمة العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على غزة يمكن تقييمُها على النحو التالي: مواقف بطولية لشرفاء الوطن العربي الذين أعلنوا الجهادَ وقاموا بإسناد غزة ويمثّلُها محورُ المقاومة (اليمن وحزب الله في لبنان والمقاومة الإسلامية في العراق – سوريا) وهم قلة، ودول عربية وإسلامية اكتفت بالمشاهدة والصمت وهي كثيرة، وأُخرى مطبِّعة وداعمة وحامية للاحتلال وهي (السعوديّة – الإمارات – البحرين – الأردن – مصر – المغرب)”.
وبحسب جسار فَــإنَّ “اليمنَ وبقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الذي أعلن الجهاد ضد الكيان الإسرائيلي، جَسَّدَ موقفاً تاريخيًّا شِعارُه (لستم وحدكم)، وهو شعارٌ وموقِفٌ أعلنه السيد القائد، وهو موقفُ القيادة والحكومة والشعب اليمني العزيز؛ دعماً وإسناداً لغزة بكافة الإمْكَانيات المتاحة، وقد توج هذا الدعم القوي واللامحدود بأن امتزج الدم اليمني مع الدم الفلسطيني على طريق الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
أنظمةٌ وظيفية:
وفي السياق يرجع محلّلون الصمتَ والتخاذلَ العربي في نصرة الفلسطينيين الذين يقتلهم العدوَّ الصهيوني في غزة إلى ارتباط معظم الأنظمة الحاكمة بالقوى المهيمنة وخَاصَّة الولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل”، التي تعامل الشعوب العربية والإسلامية بأنها غير بشرية، مؤكّـدين أن أحد الأسباب التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي يمارسُ المجازرَ والإبادة الجماعية في غزة مرتبطٌ بقناعة العدوّ إلى حَــدٍّ بعيد بعدم وجود رد فعل عربي وإسلامي مناسِب، حتى ولو من خلال اتِّخاذ مواقفَ ملموسة ومؤثرة لدعم الشعب الفلسطيني في غزة، ضد الاحتلال الذي لا تتوقفُ أطماعُه عند فلسطين بل تمتد إلى مصر والأردن وسوريا والعراق وحتى السعوديّة، أبرزها إلغاءُ كُـلّ أشكال التطبيع مع “إسرائيل” وطرد سفرائها من الدول التي طبَّعت معها، بالإضافة إلى استخدام ورقة النفط للضغط على تل أبيب والحلفاء الذين يدعمونها، والمقاطعة الاقتصادية.
ولكن تلك الأنظمة لا تستطيعُ فعلَ ذلك والتحَرُّكَ بهذا الاتّجاه؛ نصرةً للفلسطينيين؛ كون معظم هذه الأنظمة “وظيفيةً” خاضعةً وتابعةً لأمريكا التي استطاعت أن تغرسَ أنظمةً عربيةً وإسلاميةً ضعيفةً وجبانةً ومرتهنةً إلى حَــدٍّ بعيد، واستطاعت أن توصلَ تلك الأنظمةَ إلى قناعة تامة أنه لا يمكنُ لأحدٍ أن يغالِبَ أمريكا ويقول لها لا، ومن قال لها لا فسيخسر؛ ولهذا أصبحوا يتحَرّكون مع أمريكا بخوفٍ كبيرٍ منها، وثقةٍ عمياءَ بها، ورغبةٍ في إرضائها بأية وسيلة ومهما طلبت من ثمن، وهذا سببُ تخاذُلِ وصمتِ الأنظمة العربية تجاهَ العدوانِ الإسرائيلي على غزة.