(وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ من حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ)
أحمد محمد الدفعي
أن تقوم كتائب القسام وسرايا القدس المجاهدة بتفجير شاحنة مفخخة في قلب عاصمة العدوّ الصهيوني يافا “تل أبيب” بعد أكثر من عشرة أشهر من العدوان الهمجي الشامل والممنهج على قطاع غزة، فهذه قمة الدهاء والتخطيط الاستراتيجي في إدارة المعركة.
أتت هذه العملية في ذروة الاستنفار الشامل للقوات الصهيونية والغربية وبعض العربية للأسف “المُخجل” بمختلف وحداتها والمُستمرّة منذ قصف ميناء الحديدة ومنذ اغتيال العدوّ الصهيوني للشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر.
لا يخالجنا أدنى شك أن هذه العملية الفدائية البطولية تمت بتنسيق تام بين قوات دول محور الجهاد والمقاومة، التي تعد العدّة على قدم وساق للرد على العدوّ الأرعن.
بهذه العملية أُصيب العدوّ في مقتل بسهم “غير طائش” لا يتوقع اتّجاه مجيئه؛ فقواته المنهكة والمستنفرة على مدار الساعة وهي تنتظر رد محور المقاومة من الجو والبحر، لم يتبقَّ لها مفر سوى مشافي الأمراض النفسية وثلاجات الموتى لمن يختصر الطريق بالانتحار، فهذه المرَّة لم تأتِ طائرات القوات المسلحة اليمنية لتقصف تل أبيب ولا صواريخ حزب الله وإيران والعراق، بل هو هجوم من نوع جديد يرسم ملامح المرحلة المقبلة والمستقبل القاتم للعدوّ الصهيوني، كما يوضح أَيْـضاً طبيعة وتكامل الأدوار بين قوى محور المقاومة في خوض معركة التحرير والفتح الموعود بإذن الله.
معظم شركات الطيران العالمية علّقت رحلاتها من وإلى مطارات العدوّ الإسرائيلي إلى أجَلٍ قابل للتمديد، وإعلان أمريكا الداعم الرئيسي للعدو الإسرائيلي تعليق الرحلات إلى الكيان إلى إبريل 2025 يعتبر قمة الجليد.
قادة العدوّ الصهيوني يعضّون أناملَ الندم والتحسّر على إقدامهم المتهور بقتل الشهيد إسماعيل هنية في طهران، فقد حمل الراية سَبُعاً ضارياً اسمُه يحيى السنوار، يعرفون صولاتِه وجولاته في الميدان الأقدس وهو الذي لا يعرف إلا لغة القوة التي يفهمها العدوّ، فقد بدأ مرحلة توليه زعامة حماس بقصف تل أبيب من قطاع غزة ومن أماكن يتواجد فيها العدوّ، وعدم رده على الوسطاء العرب المنافقين (مصر وقطر) وعدم ذهاب وفده المفاوض إلى حوار الدوحة الفاشل.
ثم تليها هذه العملية “الاستراتيجية” التي قامت بها كتائب القسام بالاشتراك مع سرايا القدس، وفي مضمونها رسالة الوحدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وهذا معضلة كبرى للعدوّ.
بعيدًا عن التكهنات السياسية والتحليلات الجوفاء فَــإنَّ الرسالة الأسمى التي بدت مؤشراتها من هذه العملية الفدائية مفادها أن هناك عمليات قادمة وردًّا قاصِمًا من كُـلّ دول وكتائب محور المقاومة فوق ما يتخيله أَو يحسبه جنرالات العدوّ الصهيوأمريكي وأجهزة مخابراتهم العملاقة، من كُـلّ الاتّجاهات براً، وبحراً، وجواً.
وعلى العدوّ الصهيوني ومن يقف خلفه من الدول الكبرى ويدافع عنه من العرب المنافقين، أن يدركوا أنهم في مواجهة حقيقية مع الله الجبار أولاً؛ ومع جنودهِ العظماء أولي القوة والبأس الشديد وقادتهم أوليائه المقربين، وعليهم أن يعرفوا أَيْـضاً أن نهايتهم باتت أقرب مما يتوقعون، مهما امتلكوا من إمْكَانات واستنفروا كُـلّ طاقاتهم ومخابراتهم ومؤامراتهم، وأن لهم عذابًا قريبًا في الدنيا قبل (أن يجمع الله المُنافقين والكافرين في جهنم جميعاً) فالمكر والخداع والتضليل لن يُجدي نفعاً في هذه المرحلة أمام المؤمنين الصابرين المتوكلين على الله.
قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ من حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ).