“للرد تجهيزاتُه ومسارُه وإمكاناتُه المخصَّصة”: القيادةُ اليمنيةُ تضعُ العدوَّ أمام رُعبٍ بلا سقف
المسيرة – خاص
في خِطابِه الأسبوعيِّ الذي ألقاه يومَ الخميس الماضي، تطرَّقَ السيدُ القائدُ عبدُ الملك بدر الدين الحوثي إلى موضوعِ الرد على التصعيد الإسرائيلي، سواء على مستوى المحور أَو على مستوى الرد اليمني على استهداف محافظة الحديدة.
وأكّـد القائدُ أن هذا الأخيرَ “له مسارُه وتجهيزاتُه وتكتيكُه وله إمْكَاناته المخصَّصة”، وهو توضيحٌ مفتوحٌ على احتمالات كثيرة تلتقي مبدئيًّا عند نقطة جلية هي أن الردَّ سيكونُ غيرَ مسبوق في نوعيته وطبيعته وأهدافه.
توضيحُ السيد القائد لطبيعة الرد وتركيزُه على الإشارة إلى التجهيزات والمسار والإمْكَانات، يؤكّـدُ أولاً ما قاله في وقت سابق، وهو أن التأخيرَ “تكتيكي بحت”، وذلك يعني أن القرارَ نفسَه قد حُسم، وأن المسألة أصبحت في الميدان، وهي مسألةُ ابتكار هجوم نوعي غير مسبوق يراعي الحاجةَ إلى تجاوز الاستعدادات والإجراءات وَالتحشيدات الدفاعية الإقليمية والدولية للعدو، ويضمنُ الوصولَ إلى عمقِه وتحقيقَ أثرٍ مؤلم ورادع.
ووفقاً لذلك فَــإنَّ الحديثَ عن إمْكَانات وتجهيزات ومسارات مخصَّصة لهذا الرد، يعني أنه سيشهدُ على الأرجح استخدامَ أسلحة ربما لم تُستخدَمْ من قبلُ، أَو لم تُستخدَمْ بتكتيكات معيَّنة من قبل سواء من حَيثُ الكمية، أَو من حَيثُ مسار الإطلاق، مثلما حدث في عملية “يافا” النوعية التي لا يزالُ مسارُ تحليق الطائرة المسيَّرة فيها يثيرُ أسئلةً كثيرةً بلا إجابات رسمية.
وهذا يعني أن الأُفُقُ مفتوحٌ على احتمالات لا يستطيعُ العدوُّ ورُعاتُه وضعَ سقف معيَّنٍ لها؛ فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام العبرية والأمريكية قد حرصت خلال الأيّام الماضية على إجراء ما يشبه الحصرَ للقدرات العسكرية التي تمتلكها القوات المسلحة اليمنية؛ مِن أجلِ المساعدة على وضع سقف معين لما يمكن لليمن القيام به، فَــإنَّ محاولات الحصر تلك لا تقدم الكثير في الواقع، فقد استطاعت القوات المسلحة اليمنية مفاجَأةَ العدوّ بالفعل، سواء من حَيثُ الأسلحة، أَو من حَيثُ التكتيكات أكثرَ من مرة برغم مزاعمه المتكرّرة بشأن معرفته بالترسانة اليمنية، وقد برز ذلك بوضوح في عملية “يافا”.
ويمكن القول إن العدوَّ الآن أكثرُ عُرضَةً للخطأ؛ فقد شهدت الفترة الماضية اعترافات رسمية من قادة وضباط البحرية الأمريكية بانعدام المعلومات حول طبيعة وحجم الترسانة اليمنية، بل إن أحد القادة على متن حاملة الطائرات “آيزنهاور” وصف موضوع ترسانة الأسلحة اليمنية بأنه أشبه بـ”الثقب الأسود” كنايةً عن صعوبة واستحالة الحصول على أية معلومات واضحة بشأنه؛ وهذا يعني أن كُـلّ ما يستطيعُ العدوُّ تحليلَه هو فقط ما سمحت له القواتُ المسلحة بمعرفته وهي تعلمُ تماماً سقفَ التوقعات الذي تتيحُه هذه المعرفة، وهذا يقودُ إلى احتمالٍ أكثرَ إرباكاً للعدو، وهو أن توقعاتِه قد لا تكونُ مغلوطة فحسب، بل إنه قد يكونُ عُرضةً لعملية تضليل ممنهجة تُجبِرُه على النظر نحو أمور معينة تعمَّدت القوات المسلحة جذبَ انتباهه إليها، ليتسنى لها مفاجأتُه من مكانٍ آخرَ.
هذا ما يعكسُه بوضوحٍ لجوءُ العدوّ إلى نشر تهديدات وتهويلات حول ما سيفعلُه بعد الرد اليمني، حَيثُ عمدت وسائل إعلامه مؤخّراً إلى نشر تقاريرَ تحدّد فيها مناطقَ معينةً في اليمن ذات طابع إنساني واقتصادي كأهدافٍ محتملة تهدّدُ أنه سيتم قصفُها إذَا هاجمت القواتُ المسلحة اليمينة العدوّ، وهذا التهديد يخفي في طياته اعترافًا واضحًا بالارتباك وعدم الثقة بالقدرة على التصدّي للرد اليمني أَو توقّع سقفه ونوعيته، وهي عادةً الاستراتيجيةُ الرئيسية التي كان يعتمدُ عليها العدوُّ في مواجهة التهديدات الإقليمية.
إن هروبَ العدوّ من حقيقة عدم قدرته على ضمان حماية مستوطنيه، إلى الحديث عن الانتقام لاحقاً هو مُجَـرَّدُ حيلة دعائية تنكشَّفُ عند أول مناقشة منطقية؛ فوقوعُ الرد اليمني ونجاحُه في الوصول إلى الأراضي المحتلّة وتحقيقُ أضرار كبيرة سيجعلُ أي “انتقام” بلا معنى؛ فهناك الكثيرُ من التأكيدات في جبهة العدوّ نفسه على أنه لا يمكن ردعُ اليمن بأي قصف، وبالتالي فَــإنَّ أيَّ استهداف إضافي، لن يحلَّ مشكلةَ الفشل الدفاعي للعدو وتزعزع جبهته الداخلية، بل سيجعل هذه المشكلةَ أكثرَ حضوراً على واجهة المشهد؛ لأَنَّ القوات المسلحة سترُدُّ حتماً على أي هجوم جديد؛ وهو ما يعني أضراراً إضافية، ولن يكون العدوّ أكثرَ قدرةً من اليمن على الصمود إذَا استمرت هذه السلسلة.
وحتى إن رفع العدوّ سقف توقعاته بعيدًا عن عمليات “الحصر” العقيمة للقدرات اليمنية؛ فكل ما يستطيع التوصل إليه هو أن القوات المسلحة ستستخدم أسلحةً جديدة، لكن بأي مدى؟ وأية سرعة؟ وكيف سيكون مسارها؟ وبأية أعداد سيتم إطلاقُها؟ وهل سيتم إطلاقها دفعةً واحدةً أم على فترات؟ وكل سؤال من هذه الأسئلة مفتوح على عدد كبير من الإجابات المحتملة؛ الأمر الذي يعرف العدوّ أنه لا طائل من محاولة تجريبه؛ ولذلك يلجأ إلى الاعتماد على “الحالة القصوى من التأهُّب” بحسب تعبير وسائل إعلامه التي أكّـدت أنه لا يمكن الحفاظ على هذه الحالة إلى الأبد.
وهناك سؤالٌ آخر يجد العدوُّ صعوبةً في حصر سقف إجابته وهو: ما هي الأهدافُ التي سيشملُها الردُّ اليمني الذي يبدو بوضوح من خلالِ تصريحات قائد الثورة أنه لن يكون عشوائيًّا وأنه قد لا يقتصر على ضربِ مناطقَ حساسة معينة في لحظة الرد، بل قد يفتحُ مسارًا جديدًا من مسارات الاستهداف المُستمرِّ والمتكرّر للعدو.
وفيما كانت وسائلُ إعلام العدوّ تضعُ ميناء حيفا ومنطقة “أم الرشراش” خلال الفترة الماضية على رأس قائمة الأهداف المحتملة، فَــإنَّ ذلك ليس سوى محاولة للخروج من ارتباك الأُفُق المفتوح للرد الإقليمي واليمني؛ فالحقيقة أن كُـلّ منطقة حساسة داخل كيان العدوّ ضمنَ نطاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية هي هدفٌ محتمَلٌ للرد بما في ذلك “تل أبيب”، وَإذَا كان العدوّ يعوِّلُ على قدراته الدفاعية المتركِّزة في مناطقَ معينة داخل الأراضي المحتلّة فَــإنَّ دخولَ أسلحة جديدة أَو إطلاقها في مساراتٍ مبتكرة قد أثبت فشلَ هذا الإجراء مسبقًا.
خلاصةُ القول: إن إعلانَ السيد القائد عن تخصيصِ إمْكَانات ومسارات وتجهيزات عسكرية للرد على العدوان الصهيوني، يبقى هو الإجَابَةَ الوحيدةَ التي يمتلكُها العدوُّ على أسئلته وتوقُّعاته، وهي إجَابَةٌ تُظهِرُ المَأزِقَ الكبيرَ الذي يواجهُه؛ لأَنَّها لا تقودُه سوى إلى المزيد من الأسئلة.