خياران لا ثالثَ لهما بين اليمن والسعوديّة
محمد علي اللوزي
يبدو أن المسألة تأخُذُ منحىً آخرَ بمعادلة بسيطة المنطقة قادمة عليها بخيار واحد أما أن تكون اليمن مثل جارتها السعوديّة في تطور وتقدم ورفاه، أَو أن تكونَ السعوديّةُ مثلَ اليمن في عوز وفقر وتعب حياة.
لا يمكن التعايُشُ بمفارقات كبيرة: غنىً فاحِشٌ لهم، وفقرٌ مدقِعٌ لنا.
لا بُـدَّ من هزات أرضية لتصحيح المعادلة واختلالات في المنطقة. فهل تستوعبُ الشقيقة الكبرى أهميّةَ التعايش وتقلعَ عن التعالي واستعداء اليمن؟ ومن ثَمَّ تقدِّمُ مشروعًا حقيقيًّا لنهضة شاملة أشبه بمشروع (مرشال) لإعادة تعمير (أُورُوبا)، أم ستتمادى في غَيِّها وغناها ومن ثَّمَ لا خيار للفقير إلا خوضُ معارِك المساواة في الفقرِ؟
هل تكون اليمن منطلَقَ (بروليتاري) لمسيرة حافلة بالتحولات والأحداث الكبيرة؟، وبالتالي تبرز قوىً مجتمعيةٌ ثورية تمتلك زمام المبادرة، حتى في المغامرة وقوة الفعل الذي قد يخلقُ فُرَصَ ظهور طبقة تصنعُ تحولات لصالح المقهورين، دونما الاعتماد على الأيديولوجيا الماركسية وإنما على موروثٍ تجسِّدُه القولةُ المشهورةُ للإمامِ علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: (عجبتُ لِمَنْ لا يجدُ قوتَ يومه كيف لا يخرُجُ على الناس شاهرًا سيفًه).
علينا أن ندرك أننا أمام قوىً صاعدةٍ لا تقف عند حواجزَ أَو حدود، وتمتلك مشروعَها؛ ففي المحصلة هي تمضي في اتّجاه تعزيز حضورها ونفوذها وتقود صراعًا يواجه نادي الأغنياء الدول الخليجية.
فهل تنجح هذه المسيرة؟ وقد اتسعت خارطتها؟ وهل تعي الرياض أنها قادمة على مواجهة حقيقية مع قوى سد الرمق التي تبحث عن فرص ثراء شامل وللجميع؟ أم ستدير الظهر لتجد نفسها في حالة اضطراب وربما انتحار للمنطقة بأسرها؟
مُجَـرّد تساؤلات وفرضيات لقادم ربما لا تكون. غير أن ثمة من لديه قناعة ويردّد قولته: (لا تجوع الأسود وبجوارها حمير وحشي) في كُـلّ الأحوال هناك صراع غير معلن بين دول البترو دولار هذا يوفر فُرَصًا لصنعاء أن تشق فضاءً خاصًّا بها من ذات التناقضات البترودولارية. قد أكون غير محق، غير أن المعطياتِ تمنحني شيئاً من هذا التفكير.
لقد شهدت اليمن تسع سنوات عجاف اشتغل عليها العدوانُ لتركيع الهامة اليمنية، ولم يتحقّق المبتغى أَو الهدف المعلن عنه صوريًّا في ما يسمى عودة الشرعية؛ ربما لأَنَّ الحرب سارت في تفرُّعات عديدة وأطماع سعو إماراتية وتقاسم بيني، لم يتحقّق منه سوى خيبة الأمل وارتداد التحالف على نفسه لنرى تخويناتٍ واتّهامات بين دولتين بذلتا أموالا طائلة؛ لإدخَال اليمن في متاهات لا تنتهي.
متاهات ضاعت فيها أقدام التحالف الذي وجد نفسَه وعلى وجه الخصوص السعوديّة في مستنقع لا يستطيع الخروج منه، ولتستبين أمورٌ أُخرى، وهي أن التحالف لم يكن حقيقيًّا؛ فقد انبنى على مؤامرات بين السعوديّة والإمارات لأهداف خفية تمثلت في سعي أبو ظبي لتوريط السعوديّة في حربها على اليمن، لإفشالها في المنطقة الاستثمارية (نيوم) التي تشكل خطرًا حقيقيًّا على الاقتصاد الإماراتي فيما لو تمت.
لعل الرياض استفاقت مؤخّراً على المغزى الذي دفع بالإمارات إلى التحالف مع السعوديّة كتكتيك، لاستراتيجية إغراق السعوديّة في حرب تطول وقد لا تنتهي في اليمن. فيما أبو ظبي على الجانب الآخر تحقّق أطماعها في المحافظات الجنوبية للسيطرة على الجزر والموانئ من خلال زراعة ميليشيات تحَرّكها في الاتّجاه الذي يخدم مصالحها.
الجانب الثاني أن صنعاء تصلَّب عودُها وأن الحربَ الضروسَ عليها دفعتها لاستنهاض كُـلّ مقومات البقاء وتجاوز الهزيمة وتحويلها باتّجاه العدوان؛ إذ لم يعد في اليمن ما تخسره وكل شيء محطم، ولم يبق معها سوى المواجهة للصلف السعو إماراتي، لقد كان عامل الفقر أحد أهم عناوين النصر.
ويقينًا لو أن لدى اليمن منجزات عملاقة، وناطحات سحاب، وقطارات، وحالة رفاه لما حدثت حرب.
مشكلة الرياض أنها ترى في فقر اليمن أمنها، والعكس هو الصحيح. فهل تتعظ الرياض من حربها اللعينة على اليمن؟ هل تستوعب معنى الفارق الشاسع بين دولة غنية وأُخرى فقيره؟ وإلى أين يؤدي هذا والمخاطر المترتبة عليه؟ في كُـلّ الأحوال لا سبيل لتعايش حقيقي سوى تنمية شاملة لليمن، وارتفاع مستوى دخل الفرد، وتحقيق معدلات نمو سريعة، لتهدأ وتأمن الرياض على نفسها وتتجه صوبَ خطة 20/30.
اليمن بلد عظيم ولديه ممكنات تحول كبيرة ما لم تجد لها تحقّق على أرض الواقع، فَــإنَّها ستتحول إلى مسيرات وصواريخ لاتعد على دول البترو دولار.
حتى وإن حدثت تفاهمات سلام فسيكون أشبهَ باستراحة محارب. السعوديّة عليها أن تتخلى عن الهيمنة ولن تأمنَ على نفسها إلَّا بمعدلات تنمية في اليمن مرتفعة.. وهذه حقيقة لا مناصَ منها.