في ضوءِ ذكرِ السيد للعجوز النرويجية
د. يوسف الحاضري
وضع السيدُ مقارنةً قرآنيةً عظيمةً بين امرأة عجوز نرويجية في السبعينيات من عمرها وموقفها الإنساني العظيم تجاه مظلومية أبناء غزة وموقف الخشب المسندة الذين يسمون أنفسهم حكامًا للدول العربية والإسلامية والمتخاذلين أَو المتواطئين مع مرتكبي الجرائم الصهاينة وكيف أن إنسانيتها فضحت كُـلّ أكاذيب ما يدّعيه هؤلاء من تدينهم الإسلامي رغم أن موقفها بسيط جِـدًّا (وفقًا لإمْكَانياتها) فلماذا هذا الرفعة في الشأن لها رغم بساطة موقفها الذي لم يغير شيئاً في الوضع المأساوي في غزة؟
١. من سنن الله في الناس أن الأحداث تغربلهم ما بين صادق يصدق لإنسانيته ومسؤوليته وحقيقة وجوده واستخلافه في الأرض وبين كاذب يناقض كُـلّ ما كان يدَّعيه من إنسانية وحق وواجب ومسؤولية، وهذا العجوز رغم أنها طاعنة في السن إلَّا أن وضعها الصحي والجسدي لم يمنعها من أن تطلق إنسانيتها لتتحَرّك في وقت أن “الأشحاط” الحكام الذين يمتلكون كُـلّ شيء خنعوا وخضعوا وضعفوا وجبنوا وتواطئوا مع الشيطان منحرفين عن إنسانيتهم.
٢. لو كان موقف هذه المرأة قبل نزول القرآن كان سيقص الله موقفها في القرآن؛ ولأن القرآن يشمل كُـلّ زمان ومكان فقد قصها في القرآن كموقف (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) رغم أنه وأنها يعلمان أن موقفهما لن يغيِّرَ شيئاً من الوضع إلَّا أن مقاييس الله لا تبنى على النتائج؛ فالنتائج هو الله من يصنعها بحكمته وعلمه ولكن مقياس الله هو على موقف الإنسان وتحَرّكه، كما أن حكام العرب والمسلمين أَيْـضاً ذكرهم الله في القرآن في أكثر من موضع ومنها ما ذكر فيه فرعون قدوتهم (إن هؤلاء لَشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنَّا لجميع حاذرون).
٣. سيقول قائل: إن العجوز لا تمتلك شيئاً تخسره؛ لذا تحَرّكت؛ بيد أن حكام العرب والمسلمين لو تحَرّكوا فقد يؤدي ذلك إلى خسارتهم خسارة كبرى وتتأثر مئات الملايين من الشعوب، نقول لهم: إن المقياس الإلهي ليس على مقدار الربح والخسارة؛ ولذا كم كرّر الله عبارة (له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) وَ(بيده الملك) وَ(يعز من يشاء ويذل من يشاء) وغيرها فهو الله وحده من يقدر هذه الأمور وليست مسؤولية البشر فالإنسان لديه مسؤولية حياتيه يقوم بها، عوضًا عن أن تحَرّك العجوز يبين سلامة نفسيتها والتي تعكس أنها لو كانت تمتلك قوة وسلطة وقدرة كان سيكون موقفها هو نفس الموقف العظيم الذي قامت به وهي لا تمتلك شيئاً كما أن هؤلاء الحكام حتى لو لم يكن لهم قوة وقدرة وهم ليسوا إلَّا أفراد عاديون كان سيكون موقفهم المتخاذل المتواطئ النفاقي هو نفسه الذي هم عليه الآن، والدليل أن هناك أفرادًا كُثُرًا لا قدرة لهم ولا سلطة وموقفهم لا يقل ذُلًّا وخناعة عن موقف هؤلاء الحكام، ثم لو نأتي لننظر لما خسره وسيخسرُه هؤلاء الحكام سنجد أضعافًا مضاعفة لما قد كانوا سيخسرونه أن تحَرّكوا؛ فهم يخسرون ثرواتٍ كبيرةً لدعم الكيان وقوات أمريكا وقواعدها وإعلامهم الموجَّه خدمة للصهاينة ويخسرون أَيْـضاً عزتهم وشرفهم وكرامتهم وإنسانيتهم ويخسرون أَيْـضاً دينهم وإسلامهم وَأَيْـضاً سيخسرون الخسارة الأكبر والأبدية وهو آخرتهم فهل يمكنُ أن نقارنَ هذه الخسارة بما قد يمكن أن يخسروه أن تحَرّكوا!!
٤. المرأة العجوز والرجلُ الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وسحرةُ فرعون كانوا جميعاً ليس لديهم دينًا يدينون به لله كحال حكام العرب والمسلمين وأصحاب القرية التي جاء إليها هذا الرجل يسعى (والذين كانوا يؤمنون بالله لذا قالوا وما أنزل الرحمن من شيء) ولكنهم آمنوا بقضايا إلهية في الأرض وانطلقوا فيها وقدموا أرواحهم لها انتصارًا للإنسانية وللحق وتصديقًا لمضامين ما يؤمنون به فارتفع هؤلاء وهبط حكام العرب والمسلمين إلى الدرك الأسفل من النار.
وفي الأخير على الجميع أن يفهم حقيقة الدين الإسلامي الذي جاء به كُـلّ الرسل عبر التاريخ انتهاء إلى خاتمهم محمد “صلى الله عليه وآله وسلم” وأنه متجذر في حقيقة التأكيد على سلامة الفطرة البشرية السوية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لَا يَعْلَـمُونَ) وما دونَ ذلك فهي طقوس حركية وممارسات ذاتية لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تختلفُ عن طقوس المنحرفين في كُـلّ زمان ومكان.