القيادةُ الربانية

عدنان عبدالله الجنيد

الحمد لله القائل: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْـمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، آل عمران- آية (121).

في ذكرى المولد النبوي الشريف “على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحابته المنتجبين”، ما أحوجنا لمعرفة الرسول المعرفة الصحيحة، وأن نتعرف على رسالته ومنهجه، ونقتدي ونتبع ونسترشد بالشخصية القيادية والجهادية لرسول محمد (ص)، التي تعتبر الركيزة الأَسَاسية للتغلب على دول قوى الاستكبار العالمي؛ لأَنَّ الرسول محمد (ص) كان عظيماً بعظمة الإسلام الذي أتى به، وبعظمة القرآن والهدي الذي أنزل عليه، ولم يكون ضعيفاً أبداً، فوضحت الآية الكريمة المذكورة أعلاه دور القيادة واستشعارها للمسؤولية، وأعطت الصورة الحقيقية لشخصية الرسول محمد (ص) بالقيادة الربانية والجهادية والعسكرية.

تبوئ المؤمنين مقاعد القتال: أي منحه الصلاحية المطلقة والكاملة في إدارة المعركة ورسم الخطة في تقسيم الأدوار وتوزيع المهام (استطلاع، استبيان، تحرٍّ، هجوم، اقتحام، دفاع، رماة….)، وما تحتاج إليه من عدة وعدد، وتأمين سير المعركة والمجاهدين طائفة تصلي معك وطائفة تؤمن وتحرس (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسلحتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ)، وغيرها من الإجراءات اللازمة لتهيئة المجاهدين لخوض المعركة كالبنيان المرصوص، والتنكيل بأعداء الله.

وهذا ما تبينه التوجيهات والأوامر الإلهية في القرآن الكريم (جاهد – اغلظ عليهم – فقاتل في سبيل الله – حرّض المؤمنين)، وهذه التوجيهات خير دليل وأكبر شهادة على المؤهلات القيادية لرسول محمد (ص)، قيادة على مستوى التكليف وعلى أرقى مستوى ممكن وأعلى جهوزية لا نظير لها ولم يسبق لها مثيل، وتدل هذه التوجيهات على قيادة الرسول (ص) جميع المعارك، حَيثُ أدار أكثر من ثمانين واقعة من المعارك والسرايا في حروبه مع تلك الفئات التي تحَرّكت بعدوانية شديدة ضده وضد الإسلام، بدأها ببدر وختمها بحنين بالنسبة للواقع العربي، ومع اليهود (بني النظير، بني قينقاع، بني قريظة، يهود خيبر، يهود فدك، يهود تيماء، يهود وادي القرى)، والصراع مع الروم والنصارى (مؤتة وتبوك)، أدارها بإدارة جهادية وعسكرية لا نظير لها ولم يسبق لها مثيل.

وهذا ما أكّـده أمير المؤمنين الإمام علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، مهندس استراتيجية الحروب، أشجع طاعن وضارب، مذل المشركين، مفرق الأحزاب، مدمّـر حصون اليهود، سيد العرب والعجم قائلاً (إذا اشتد القتال لُذنا برسول الله؛ أي إذَا اشتد بنا الوطيس احتمينا برسول الله)، وهذه المقولة من أشجع فارس تدل على المؤهلات وحنكة رسول الله وتمكّنه من قيادة المعارك.

حياة الرسول (ص)، كلها جهاد ضد النافذين والمستكبرين حتى وهو على فراشه، وهو يعاني من سكرات الموت، وهو يقول: أعدوا جيش أسامة.

إن أنبياء الله ورسله هم حلقة وصل بيننا وبين الله، وهم مصدر العلم والهداية والهدف من بعثتهم هو هداية البشر إلى معرفة الله، ونشر التوحيد، وتحقيق العدالة بين الناس، وتجسيد الكمال الإنساني من القوة إلى الفعل، وإزاحة الظلمات، وإصلاح المجتمعات، وإقامة القسط والعدالة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتربية الناس، وبناء الإنسان، وخدمة المظلومين والمضطهدين والمحرومين، وتعريف الناس سبل مقارعة الظلم وإزالته، ومواجهة القوى الكبرى.

ومهام الأنبياء هو تدمير ودك عروش ومعاقل الظالمين، وبناء جيل مجاهد ومناهض للاستكبار وتحرير الناس من العبودية للطواغيت الذي يعتبر الدم الأحمر فيها أشهى من العسل.

تعتبر مناسبة إحياء المولد النبوي الشريف محطة للأُمَّـة للعودة إلى التاريخ وسيرة الرسول (ص) ومعرفة شخصيته الجهادية من القرآن الكريم، ومعرفه كُـلّ ما بذله من جهدٍ وجهاد، وما قدمه من تعليمات، وإرشادات، الاقتدَاء بخير قُدوة وثمرة الإيمان به ورسالته نستلهم منها الدروس في مواجهة قوى الاستكبار العالمي التي أتت إلى البر والبحر وعملت قواعد عسكرية وأساطيل لفرض ثقافتها بقوة الصواريخ والطائرات والغواصات، ونهب ثروات الشعوب واستعبادهم، والإساءَات إلى القرآن والرسول (ص) ولا يمكن التغلب عليهم إلا بالعودة إلى رسول الله.

النبي لا يأتي لعصره فقط، النبي يربي أُمَّـة، ويرشد أُمَّـة، ويثقف أُمَّـة لتكون مستبصرة وحكيمة قابلة لأن يستمر في دورها وتقبل قيادات هي امتداد لنبي؛ لأَنَّ كُـلّ ما يمنحه الله للرسل والأنبياء من مؤهلات لحمل المسؤولية هو لصالح الناس ولخيرهم.

ومن نعم الله ورحمته على الأُمَّــة إذَا بعث فيهم عَلَمَ هدي إلهي تجسدت فيه مؤهلات القيادة الربانية، ألا وهو قائد الثورة السيد/ عبدالملك بن بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”، وذلك بدعوته للأُمَّـة العودة إلى الولاية الإلهية والعودة إلى نبيها، ومقارعة دول الاستكبار العالمي المتمثلة باللوبي اليهودي الصهيوني وفق طرق الأنبياء، وتبني القضية المركزية للأُمَّـة، وعليه خرج اليمنيون إلى الساحات احتشاداً وإعداداً.

مفتاح اللغز الوعي وثقافة القرآن في إحياء فعاليات المولد النبوي الشريف التي ميزت اليمن عن غيره من شعوب المنطقة، وبفضل من الله والقيادة يأتي الفرج والنصر والتمكين الإلهي على دول قوى الاستكبار العالمي بعد كُـلّ فعالية يحييها شعب الإيمان والحكمة، وإن شاء الله إحياء فعالية هذا العام فرج ونصر وتمكين للشعب الفلسطيني المظلوم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com