الباطل.. التربةُ الخصبةُ لنمو الفساد
شاهر أحمد عمير
الفساد -كظاهرةٍ مدمّـرةٍ للمجتمعات- لا يمكن أن ينموَ ويترسَّخَ إلا إذَا وجد أرضًا خصبة يغذيها الباطل وينميها الغش والتلاعب في كُـلّ مجتمع، يظل الفساد هو العدوّ الأكبر للتقدم والازدهار، حَيثُ يتغلغل في المؤسّسات ويعيق التنمية، ليصبح كالنار التي تلتهم كُـلّ ما هو صالح.
الفاسدون لا يعملون في فراغ؛ بل يحتاجون إلى بيئة تتواطأ معهم، سواء بالسكوت على أفعالهم أَو بالتستر على جرائمهم. وللأسف، يجد الفساد في الباطل سلاحًا قويًّا يعزز من نفوذه. فحينما يتم تغليف الأعمال المشبوهة بالكذب والخداع، يصبح من الصعب كشفها وإيقافها.
الباطل هنا ليس مُجَـرّد كذبة عابرة، بل هو منظومة متكاملة تحمي الفساد وتدعمه.
الفساد، بمختلف صوره، يسعى دائماً إلى إيجاد طرق للالتفاف حول القوانين والأنظمة. هذه الطرق لا يمكن أن تكون إلا ملتوية وغير شرعية؛ مما يجعل الفساد والباطل وجهين لعملة واحدة. فالفساد يزدهر في بيئة يضعف فيها الحق، ويزدهر عندما تغيب الشفافية والنزاهة، وحينما يصبح الباطل هو القاعدة وليس الاستثناء.
في مثل هذه الظروف، يجد الفاسدون أنفسهم في مأمن من المحاسبة، حَيثُ يتمكّنون من التلاعب بالقوانين واستغلال النفوذ لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.
ومع مرور الوقت، يصبح الفساد جزءًا لا يتجزأ من النظام، متغلغلًا في جميع جوانب الحياة العامة، ليصبح من الصعب اجتثاثه.
لكن، كما أن الفساد يحتاج إلى الباطل لكي يقوى وينتشر، فَــإنَّ القضاء عليه لا يمكن أن يتحقّق إلا بإعلاء الحق ومحاربة الظلم بكل أشكاله.
المجتمعات التي ترفض الباطل وتقف ضد الفساد بقوة، هي المجتمعات التي تبني مستقبلها على أسس صُلبةٍ من العدالة والنزاهة.
إنّ محاربةَ الفساد تتطلَّبُ شجاعة وإرادَة قوية لمواجهة الباطل وعدم الرضوخ له؛ فالمجتمع الذي يرفض التواطؤ مع الفاسدين، والذي يفضح ممارساتهم، هو المجتمع الذي يملك القدرة على القضاء على هذه الآفة المدمّـرة. وبذلك، يتحقّق الإصلاح الحقيقي، ويعود الحق إلى نصابه، وينهض المجتمع من جديد بقيم الصدق والنزاهة.
يجب أن نتذكر دائماً أن الفساد لا يقوى إلا بالباطل، وأن الحق هو السلاح الأقوى في مواجهته؛ فبإعلاء قيم الحق والعدالة، يمكن لنا أن نبني مجتمعًا قويًّا ومزدهرًا، خاليًا من الفساد وظلمه.