طوفانُ الثأر: “إسرائيلُ” تواجِهُ تحدياتٍ جديدةً
د. نجيب علي منّاع
يشكِّلُ “الردُّ المدروسُ” الذي نفّذهُ حزبُ الله بالقُرب من تل أبيب، في ذكرى أربعينية الإمام الحسين، علامةً فارقةً في تاريخ الصراع الإسرائيلي – اللبناني، وربما في المنطقة بأسرها. فلم يكن هذا الردُّ مُجَـرّدَ ردِّ فعلٍ عاطفيٍّ على اغتيال أحد قادةِ المقاومةِ، بل كان بمثابةِ إعلانِ صريحٍ عن قدرةِ حزب الله على الوصولِ إلى أهدافِهِ الاستراتيجيةِ، وعلى قلبِ معادلاتِ القوةِ في المنطقةِ.
وقد جاء هذا الردُّ في وقتٍ حساسٍ، حَيثُ تتزايدُ التوتّراتُ في المنطقةِ، ويشعرُ العالمُ بانفجار حربٍ واسعةٍ قد يكونُ وشيكًا. ففي هذه الأجواء المشحونةِ، أظهرَ حزب الله قدرةً على التَخطيطِ لعمليةٍ مُعقّدةٍ، وتَنفِيذِها بدقةٍ وتَقنيةٍ عاليةٍ؛ ما أثارَ حالةً من الرعبِ والهلعِ في صفوفِ الإسرائيليين.
أدّى ردّ حزب الله إلى فضحِ أكاذيبِ نتنياهو الذي حاولَ التقليلَ من شأنِ العمليةِ، وادّعى أنّها غيرُ مؤثرةٍ وأنّها لا تُشكلُ تهديدًا لِأمنِ “إسرائيل”؛ لكنّ الواقعَ على الأرض أثبت عكسَ ذلك تماماً؛ فقد أظهرَ حزب الله قدرةً على اختراق جميعِ أنظمة الدفاعِ الإسرائيليةِ، وِمُهاجمةِ أهداف استراتيجيةٍ بالقرب من تل أبيب، هي قاعدة “غليلوت” المركَزية التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، ووحدة “8200”، معلِناً إطلاق اسم “عملية يوم الأربعين” على العملية؛ ما أثبت فشلَ جميعِ المزاعمِ الإسرائيليةِ حولِ “قوةِ الجيشِ” وِ”أمنِ الكيان”.
كما لم تتردّد قيادةُ حزب الله في إعلان مسؤوليتها عن العمليةِ بِشَكلٍ صريحٍ وِواضحٍ، وَذَلِكَ دَليلٌ على ثقةِ القيادةِ بِقُدرةِ الحزبِ على تَحمُّلِ مسؤوليةِ أفعالهِ، وَتَأكيدًا على شفافيةِ المُقاومةِ في مُعادلةِ الصراعِ مع العدوّ. وهذا يَستحقُّ التقديرَ والاحترام، فَـإنَّ الصدقَ في التصريحِ وَالشفافيةَ في التَعاملِ يَتطلبانِ شجاعةً كبيرةً، وَلا يَتواجدانِ إلا عندَ من يَمتلكُ قناعةً بِقوةِ مُوقفِهِ وَصِحَّةِ طريقهِ.
كما تُشيرُ بعضُ التَقاريرِ إلى أنّ الردَّينِ اليمنيّ والإيرانيّ على اغتيال المجاهد إسماعيل هنية وكذا الاعتداءات على المدن اليمنية وقصف ميناء الحديدة قد يَكونانِ قَريبَينِ جِـدًّا. وَتُشيرُ تَصريحاتُ القادةِ في اليمنِ وَقادةِ الحرسِ الثوريّ الإيرانيّ إلى أنّ الردَّ على هذهِ الجريمة والاعتداءات سَيكونُ قاسيًا وَموجعًا.
يَبدو أنّ حزبَ الله قد أرسل رسالةً واضحةً وَقويةً لِـ “إسرائيل” من خلالِ “طوفانِ الثأرِ”. فقد أثبت الحزبُ قدرةً على تَحملِ مسؤوليةِ أفعالهِ وَالتَصريحِ بها بِشَكلٍ واضحٍ، وَأظهرَ قُدرةً على التخطيطِ وَالتَنفِيذِ لعمليةٍ معقّدةٍ بِكفاءةٍ عاليةٍ. وَإنَّ هذا الأمرَ يُؤكِّـدُ على ضرورةِ الاحتواءِ لِهذا الصراعِ وَالبحثِ عن حلولٍ سياسيةٍ لِإنهاء دورةِ العنفِ في المنطقةِ، فَـإنَّ الاستمرارَ في هذا المسارِ سَيُؤدّي إلى كارثةٍ كُبرى لِجميعِ أطراف الصراعِ.
أخيرًا، يُمكنُ أن نَستنتجَ من “طوفانِ الثأرِ” أنّ وَحدةَ المُقاومةِ في المنطقةِ هيَ عاملٌ أَسَاسيٌّ لِردعِ العدوّ الإسرائيليّ. فَـإنَّ تعاونَ حزبِ الله مع اليمنِ وَإيرانَ والعراق وسوريا يَبعثُ على الأملِ بِأَنّ يَكونَ هناكَ تنسيقٌ أفضل في المُستقبلِ لِردعِ العدوّ وَحمايةِ المصالحِ العربية.
إنّ هذهِ الوحدةَ هيَ السلاحُ الأقوى لِإحباط جميعِ خططِ العدوّ وَحمايةِ مصالحِ الأُمَّــة العربيةِ، ونصرة للمقاومة في غزة ورفع الظلم والجور عنهم.