ننزِّهُك يا اللهُ عن أن توجبَ علينا الصمتَ أمام جرائم العدوّ الإسرائيلي
عدنان علي الكبسي
جاء التسبيحُ لله سبحانه وتعالى واسعاً جِـدًّا {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض}، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض}، حكى الله عن الملائكة أنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}، بل استنفر الله كُـلّ مخلوقاته لتسبحه، {أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرضِ وَالطَّيرُ صَافَات، كُلٌّ قَد عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسبِيحَهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفعَلُونَ}، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ}.
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بتسبيحه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}، نكرّر التسبيح في صلاتنا، وفي كُـلّ أوقاتنا ليترسخ معناه، فتكون نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى، نظرة تقوم على أَسَاس تنـزيهه، وتقديسه سبحانه وتعالى؛ فالتسبيح يعتبر قاعدة مهمة جِـدًّا في انطلاقة الإنسان في واقع الحياة.
فهذا الاستنفار العام لكل المخلوقات أن تنطلق في تسبيح الله تعالى بلسان المقال، ولسان الحال يدل على ماذا؟، هذا يدل على أهميّة أن نتعقل التسبيح، يدل على أهميّة أن تملأ نفوسنا مشاعر التنـزيه لله سبحانه وتعالى، أن يملأ قلوبنا مقتضى التسبيح لله سبحانه وتعالى، وأن من يغفل عن هذه القاعدة سيقع في الضلال، تفسد عقائده، يؤمن بالباطل؛ ينسب إلى الله القبائح والفواحش والظلم!.
ومن يتأمل واقع الأُمَّــة الإسلامية بما فيهم العلماء وهم يشاهدون جرائم العدوّ الإسرائيلي في فلسطين، ويسمعون صراخات الثكالى واليتامى في قطاع غزة ثم لا يحركون ساكنًا، ولا تسمع حسيسهم ولا تسمع لهم حتى همسًا.
جريمة كبيرة، وقبح عظيم أن ينسب علماء السوء إلى الله أَو إلى تشريعه ما لا يليق به، ما يتنافى مع جلاله، مع قدسيته، مع كبريائه، مع عظمته، ينسبون إلى الله أنه من شرَّع طاعة العملاء الظالمين المجرمين، ويوجب الإذعان للمجرمين ويعدها من أكبر العبادات التي يتقرب بها إلى الله، جريمته فظيعة حين يتقرب إلى الله بطاعة الظالمين.
علماءُ وخطباءُ ووعاظٌ ودعاةٌ ومرشدون أصمّوا آذانَهم حتى لا يسمعوا استغاثات الأطفال وعويل النساء وآهات الجرحى وبكاء الأسرى في فلسطين، ويفتحونها إذَا ارتفع أي صوت على صوت الأمير فيتسابقون إلى تكفيره وإباحة دمه، استغشوا ثيابهم وأغمضوا أعينهم حتى لا يروا دماء الطفولة وأشلاء النساء وأنقاض المنازل مهدمة، وحتى لا يروا تدمير المساجد وإحراق المصاحف، وهم الذين أبصارهم حديدٌ فيبصرون صغائر الأعمال حين تكون في مواجهة الطاغوت الأكبر، فيوجبون ضده الجهاد في سبيل أمريكا.
ننزه الله بأن يشرعن لنا أَو يرضى لنا بالصمت أمام الإبادات الجماعية وهو القائل سبحانه: {وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُوٓاْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدِينَ}.
ننزهك يا الله عن أن توجب علينا طاعة عدو من أعدائك، أَو مطبع مع أعدائك، وأنت العدل الرحيم الحكيم، ننزهك يا الله عن أن توجب علينا الصمت أمام جرائم العدوّ الإسرائيلي، ننزهك يا الله عن أن تجعل في دينك ما يجعلنا نتخلى عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في أية بقعة من بقاع الأرض.
نحن يا الله من نسبحك ونحن نعي ما نقول، ونعي ما نشاهد، ونعي كُـلّ الأحداث من حولنا، انطلقنا في الحياة من أهم قاعدة وهي قاعدة [تنـزيهك يا الله] فاعتمدنا عليها وتجلى لنا جُرم من تخلى عن نصرة الفلسطينيين، فأنت يا الله عظيم في هدايتك، لا يليق بأن ننسب إليك، أَو إلى نبيك، أَو إلى دينك ما يجعلنا مكبلين عن نصرة الشعب الفلسطيني.
نحمدك يا الله أن جعلتنا ننطلق من قاعدة تنزيهك عما لا يليق بك، فكانت هذه القاعدة هي من حافظت على سلامة إيماننا بك يا الله، وحسن ظننا بك، واستمرار إيماننا بنزاهتك، وقدسيتك.
ننزه الله عن أن يكون في دينه ما يذل الناس، ننزه الله عن أن يكون في تشريعاته ما يجعل الناس يسكتون عن الجرائم، ننزه الله عن أن يوجب على الناس طاعة من وصفهم بالمنافقين، حَيثُ قال: {بَشِّرِ المُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَٰفِرِينَ أَولِيَآءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعا}، ونحن نرى زعماء الأُمَّــة يتخذون الكافرين أولياء فطبعوا معهم وأذلوا الشعوب لصالحهم، فلا يجوز طاعتهم طالما الدم الفلسطيني يسيل كُـلّ يوم، والله يقول: {وَلَا تُطِعِ الكَٰفِرِينَ وَالمُنَٰفِقِينَ وَدَع أَذَىٰهُم وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ، وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا}.