مخطّطاتُ أمريكا وأثرُها في واقعنا
أسماء الجرادي
في عصرنا الذي تتسارعُ فيه وتيرةُ المعلومات وتكثُرُ فيه الأحداث، أصبح التمييزُ بين الواقع الحقيقي والتضليل الإعلامي هو التحدي الأكبر أمام الشعوب.
لا يكاد يمر يوم دون أن تتسرب أخبار مضللة تأتي في كثير من الأحيان مدفوعةً بمصالحَ سياسية ومالية تعززها قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والغرب. إضافة إلى ذلك، هناك من المنافقين العرب الذين يتعاونون مع هذه القوى؛ مما يزيد من تعقيد المشهد ويؤدِّي إلى انتشار أفكار مغلوطة ومعلومات مضللة.
الجميع يعلم حجم الحقد والكراهية التي تحملها أمريكا للإسلام والمسلمين، ويعلم أَيْـضاً كم المؤامرات والحروب التي تقودها لتدمير وإضعاف شعوب الأُمَّــة الإسلامية. فهي الشيطان، عدوة الحياة، ولن تبقى إلا على دماء البشرية. ولكن هناك خطوات خططتها هذه الدولة لتسيطرَ على العالم وعلى الأغبياء وقليلي الفكر والإيمان من شعوب الأُمَّــة.
فقد استطاعت تفريقَ الأُمَّــة الإسلامية، واستهلاكَ شبابها بما يحلو لها. فمثلاً، نتذكَّر كيف استطاعت تجييشَ شباب المسلمين في حرب أفغانستان؛ بذريعةِ الجهاد ضد الشيوعيين، وحتى عندما سيطرت على أفغانستان، قامت بتعذيب وقتل الشباب المجاهدين الذين جنَّدتهم هي في قتال الشيوعيين، وكوَّنت الكثير من السجون السرية لتعذيبهم. وقامت أمريكا وأعوانها الغربيون بجلبِ أشد الفئات خطرًا على البشرية إلى قلب الأُمَّــة الإسلامية، ثم عملت بكل ثقلها وقوتها السياسية والعسكرية والاستخباراتية لتأمينِ هذه الجماعات الصهيونية وجعلها القوةَ الوحيدة في الشرق الأوسط، فتنهب عن طريقها خيراتِ الأُمَّــة وتُمحى ثقافاتها الدينية والمجتمعية.
عملت أَيْـضاً على تفريق الأُمَّــة الإسلامية لتفتنهم فيما بينهم، ولتضعف قوتهم. ساعدها في كُـلّ هذا ضعف العقل السياسي العربي وكذلك ضعف الإيمان، وعدم معرفتهم للإيمان بصورته الحقيقية. فأصبحوا لقمةً سائغة للأعداء، يستمدون منهم القُدوة ويضعفون بهم الأُمَّــة ويوسِّعون الخلافات الداخلية. فيما لو تفكر الناس لعلموا أن كُـلَّ خلافاتنا وحروبنا وتدني معيشتنا كلها كانت بسَببِ أمريكا والدول الغربية، وهذا ما أكّـده لنا اعترافاتُ الجواسيس التابعة للعدو الأمريكي في المقاطع التي بثتها وزارة الداخلية مؤخّراً.
كما أننا نلاحظ في الفترة الأخيرة تكاثُرَ الشرخ بين المسلمين من خلال التفرقة المذهبية؛ فنحن نرى ونسمعُ الروايات الأمريكية والصهيونية التي تقومُ بنشرها بين الشعوب، ويتماهى معها ضعفاءُ النفوس وضعفاء الإيمان.
ومن يتفكر فيما يجري، فَــإنَّه سيدرك أن كُـلّ الأقوال التي تشيعها أمريكا نجد إجاباتها من أرض الواقع؛ فأمريكا تقول إنها تسعى للسلام وتعمل لأجل السلام، ونحن نراها تدعمُ الصهاينة بمعدات عسكرية متطورة لم يملكها أي جيش آخر، وذلك لتساعدهم على قتل الشعب الفلسطيني وارتكاب المجازر الكبيرة بحقهم، وكذلك في لبنان وغيرها من الاعتداءات الصهيونية على المسلمين والدين الإسلامي بالكامل.
ونجد أن أمريكا والغرب هما الداعمُ الأَسَاسي لكل هذا القتل، بهم تُسفك دماؤنا وتُزهَقُ أرواحنا وتنهب خيراتنا. ومع هذا، تشيع أمريكا أن إيرانَ والشيعةَ هم الخطر على المسلمين وأنهم السببُ في دمار البلدان وتدهور معيشتهم. والواقع أن أمريكا هي من ساعدت العراقَ في حرب إيران، ثم حاربت العراق وأقامت السجونَ السرية لتعذيب الشعب العراقي، ونشرت الجماعات “الإرهابية” فيها وقامت بذبح وتعذيب الناس. ولولا إيران ودعمها لشعب العراق في تحرير بلاده من داعش، لبقيت أمريكا حتى اليوم تخبرنا أنها ما زالت تحارب داعش وأنها تخسر لكي تحرّر العراق من داعش، وتأخذ الأموال من دول الخليج لتعويض خساراتها في دعم الإرهاب ودعم الصهاينة من ثروات المسلمين بحجّـة حمايتهم.
وهكذا فعلت أمريكا في لبنان وسوريا، حَيثُ دعمت الجماعات الإرهابية لتشتيت وقتل السوريين. وهكذا هم في اليمن، حَيثُ أقاموا علينا حربًا شعواءَ لعشرة أعوام، وهو الحاصل اليوم في فلسطين من خلال دعم الإبادة الجماعية في غزةَ، ولو فضلُ الله ودعم إيران لبقيت الأوطان محتلّة. ثم تأتي لتقولَ للشعوب، ويصدِّقها الأغبياءُ منهم أنها تدعمُهم وتدعم السلام والنهوض للبلدان، وأن عدوتنا هي إيران والمقاومة.
هنا علينا أن نتفكَّرَ: ماذا لو لم تكن هناك حركاتُ تحرّر في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن؟ ماذا يعني هذا؟ لنتخيل هذا، وسنرى أننا سنكونُ في منطقتنا والأمة بأكملها تحتَ سلطتهم وبخدمتهم، ولن نَسْلَمَ في أوطاننا وبيوتنا من شرهم إن أردنا لأنفسنا الحرية وحق الحياة.
علينا أن نتفكر ونأخذ حقَّنا في التفكير، ولا نكون كآلة أمام المطرقة، يقومون بطرقنا وتشكلنا كما شاؤوا، ويستخدموننا أينما شاؤوا -نحن مسلمين- أعزنا الله وكرمنا، فلنبقَ كما نحن، ولنحفَظْ عزتنا وكرامتنا، ولا نجعلْ حُبَّ الحياة يسلُبُها منا. ولنتفكر.