حرائقُ السفينة (سونيون) توسِّعُ فضيحةَ الفشل الأمريكي في البحر الأحمر
المسيرة | خاص:
على وَقْــــعِ المَشَاهِدِ النوعيَّةِ التي بَثَّها الإعلامُ الحربيُّ لعملية اقتحام وإحراق السفينة (سونيون) التابعة لشركةٍ انتهكت قرارَ حظر الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلّة، جَدَّدَت وسائلُ الإعلام الأمريكيةُ التأكيدَ على فشل الولايات المتحدة وشركائها في تحقيق أي ردع في البحر الأحمر، واعتبرت عملية اقتحام وإحراق السفينة إخفاقاً مباشراً لإدارة بايدن، ودليلاً على ضعف أمريكا في مواجهة “أعدائها” ومنافسيها الذين باتوا يمتلكون القدراتِ الكافيةَ لمواجهة البحرية الأمريكية في أي صراع.
واعتبرت صحيفةُ “وول ستريت جورنال” الأمريكية أنه “إذا كان هناك مشهدٌ يوضحُ إخفاقاتِ الرئيس بايدن في السياسة الخارجية، فسيكون مشهد السفينة المهجورة التي تشتعل فيها النيران في البحر الأحمر”.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته الخميس إنه “يمكن الآن إعلان فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمرافقة السفن”.
ونشر موقعُ معهد كوينسي الأمريكي تقريراً أكّـدَ فيه أن “النهجَ الذي تتَّبِعُه واشنطن في التعامل مع الحوثيين هو مِثَالٌ واضِحٌ على الإهمالِ الاستراتيجي، فهو لن ينجحَ، وهو مكلِفٌ للغاية، ويعرِّضُ حياةَ أفراد الخدمة الأمريكية المتمركزين في المنطقة للخطر” حسب تعبيره.
وَأَضَـافَ أن “رفض واشنطن الاعتراف بحرب إسرائيل في غزة؛ باعتبَارها المحفِّزُ الأصليُّ لهجمات “الحوثيين “يمنع أي أمل في وقف الهجمات في البحر الأحمر، ويتعيَّنُ على واشنطن أن تُنهِيَ على الفور نشاطَها العسكري ضد “الحوثيين”، وأن تتوقفَ عن دعم حرب إسرائيل في غزةَ، على أمل تهدئة التوترات المتصاعدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط”.
واعتبر المعهد أن استراتيجية واشنطن الحالية تجاه اليمن تتخللها العديدُ من المشاكل الرئيسية أولها “أنها خاليةٌ من الأهداف السياسية الملموسة والقابلة للتحقيق في حين تثقل كاهل دافعي الضرائب الأميركيين بتكاليف باهظة” مُشيراً إلى أن “الصواريخ التي تستخدمُها البحرية الأميركية لإسقاط الصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار تكلِّفُ دافعي الضرائب الأمريكيين ملايين الدولارات، وحتى الآن، أنفقت واشنطن أكثرَ من مليار دولار على الذخائر”.
وفيما جدَّدَ تقريرُ المعهد التأكيدَ على أن الجُهُودَ الأمريكية فشلت في تحقيقِ أيِّ ردع “ومن غير المرجَّح أن تنجَحَ” أشار في الوقت ذاته إلى أن أغلب العمليات اليمنية “وقعت بعد أن بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها حملتهم الانتقامية، وهو ما يُظهِر بوضوح أن الجهود الأمريكية فشلت في ردع المزيد من العنف” حسب تعبير التقرير.
وَأَضَـافَ أنه “من غير المرجَّحِ أَيْـضاً أن تتمكّنَ الولاياتُ المتحدةُ من تقليص قدرات الحوثيين إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين على مهاجمة السفن في البحر الأحمر؛ فبعد ما يقرب من عشر سنوات من القتال ضد القوات التي تقودها السعوديّة ــ بدعم من الولايات المتحدة ــ أثبت الحوثيون كفاءتهم في القتال، وأسلحتهم رخيصة وسهلة الحركة ومنتشرة في مختلف أنحاء اليمن، والأمر المثير للسخرية هو أن المسؤولين الأمريكيين يدركون الفجوة بين هذه الحملة العسكرية وأهدافها السياسية الظاهرة”.
واعتبر التقرير أنه “في ظل عدم وجود نهاية في الأفق للحرب في غزة والمخاوف من تنامي الحرب الإقليمية، فَــإنَّ اليمن لديه القدرة على أن يكون نقطة اشتعال مهمة في مثل هذا الصراع، وَإذَا كان هدف الولايات المتحدة هو إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم وتجنب الانجرار إلى حرب إقليمية أُخرى، فمن غير المرجح للغاية أن تحقّق القوة العسكرية هذه الأهداف”.
واختتم بالقول: إن “الخيار الأفضل” لواشنطن هو إنهاء ضرباتها على اليمن “والاعتراف بأن تبنيها القوي لحرب إسرائيل في غزة يزعزعُ استقرارَ المنطقة”، مؤكّـداً أن “وقف إطلاق النار في غزة يحمِلُ أفضلَ فرصة لإنهاء الهجمات في البحر الأحمر، فضلاً عن تصاعد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
أما مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية فقد نشرت تقريرًا اعتبرت فيه ما يجري في البحر الأحمر يمثِّلُ نموذجًا للمأزِقِ الذي ستواجهه البحرية الأمريكية في حال الصراع مع الصين، متسائلة: “إذا كان الحوثيون قادرين على تهديد السفن الحربية السطحية التابعة للبحرية الأمريكية، بما في ذلك حاملات الطائرات، فإلى أي مدى سيكون التهديد الصيني المضاد للسفن أسوأ؟”.
وأشَارَت المجلة إلى أن “وضع القبة الحديدية الإسرائيلية يسلط الضوء على كيف يمكن حتى لأنظمة الدفاع المتقدمة أن تتغلب عليها أعداد هائلة من الصواريخ، والوضع الحالي في البحر الأحمر -حَيثُ تتوخَّى البحرية الأمريكية الحذر؛ بسَببِ قدرات الصواريخ الحوثية- يعتبر بمثابة تحذير من التهديد الأكثر خطورة الذي تشكله الصين”.
وأوضح أن “السفينة الحربية الأمريكية العاملة ضمن مدى هذه الصواريخ المضادة للسفن قد تصبح عاجزة عن الدفاع عن نفسها بشكل كاف ضد وابل من الصواريخ”.
وتكشفُ هذه التعليقات بوضوح عجزَ الولايات المتحدة الأمريكية عن التغطية على حقيقة الواقع الجديد الذي استطاعت القوات المسلحة اليمنية فرضه على امتداد مسرح العمليات البحرية المساندة لغزة، وبالذات في البحر الأحمر، وهو الواقع الذي جسَّدته عمليةُ اقتحام وإحراق الناقلة (سونيون) والتي استطاع مجاهدو البحرية اليمنية الوصول إليها على مسافة عشرات الأميال البحرية واقتحامها وإحراق حمولتها، بل والاشتباك مع فرقاطة أُورُوبية حاولت الاقترابَ من السفينة، وإجبارها على المغادرة في الوقت الذي لم تعد تتواجد فيه أيةُ سفينة حربية أمريكية أَو بريطانية في البحر الأحمر.
واقعٌ عنوانُه أن الولاياتِ المتحدةَ وشركاءَها هُزموا في البحر، وأن استراتيجيات وأدوات الردع التي كاوا يعتمدون عليها بشكل أَسَاسي لمواجهة أي خصوم، قد أثبتت عدمَ جدواها أمام جبهة الإسناد اليمنية، وفضحت نقاطَ ضعف كبيرةً وخطيرةً للغاية لدى البحرية الأمريكية التي قدَّمتها واشنطن طيلةَ عقودٍ كقوةٍ لا تُقهر.
ويُضاعِفُ هذا الفشلُ الأمريكي والأُورُوبي الواضح مأزِقَ العدوّ الصهيوني الذي اعتمد على رعاته الغربيين بشكل رئيسي في مهمة حمايته من جبهات الإسناد وعلى رأسها الجبهة اليمنية؛ فهروب السفن الحربية الأمريكية والبريطانية من البحر الأحمر، وعجز الأُورُوبيين عن فعل أي شيء باستثناء إخلاء طواقم السفن المستهدفة، يجعل العدوّ الإسرائيلي مكشوفًا أمام التهديد المتصاعد الذي حاول الاختباء منه وراء الحلفاء؛ وهو ما يعني أن الجبهة اليمنية قد ثبتَّتَ موقعَها وتأثيرَها المباشر بشكل دائم في الصراع سواءٌ على مستوى المعركة الحالية أَو في المستقبل.