المناسباتُ الدينية.. نحوَ أُمَّـة قوية
د. نجيب علي مناع
تُعَدُّ المناسباتُ الدينيةُ في العالم الإسلامي، كالمولدِ النبوي، ورمضان، والحج وغيرها من المناسبات، أركانًا أَسَاسيةً في حياة الشعوب العربية والإسلامية؛ فهي ليست مُجَـرَّدَ شعائرَ دينية، بل تمتدُّ لتشمل دورًا فاعلاً في استنهاض هذه الشعوب وتحصينها من الغزو الخارجي، مهما تنوَّعت أشكالُه. ولكن هل نستغلُّ هذه المناسبات حَقًّا في استنهاض أمتنا العربية والإسلامية وتحصينها من المخاطر التي تحيط بها؟
للأسف، غالبًا ما نرى هذه المناسبات تنحصرُ في الشعائر والطقوس دون أن ندركَ قوتَها الحقيقيةَ في استنهاض الأُمَّــة. نشهدُ ضعفًا في فَهم الدور الحقيقي لهذه المناسبات، ونرى استغلالَ بعض الجهات لها لأغراض سياسية، بدلًا عن التركيز على جوهرها الديني والاجتماعي.
تُمثل سيرةُ النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” في صراعِه مع اليهود أحدَ أهم جوانب التاريخ الإسلامي ودرسًا يُلهمنا بالثقة والقدرة على مواجَهة التحديات والتصدي للغزو الخارجي. فقد واجه الرسول ﷺ عداءً شديدًا من اليهود في مكة والمدينة، ولكنّه استطاع أن يتغلب على هذا العداء بِحجّـة المنطق وَالعدل وَبالصبر والتّصميم، وأظهر قدرة الإسلام على مُواجهة التّحدّيات وانتصار الحقّ على الباطل.
الدور الحقيقي للمناسبات الدينية:
- استنهاضُ الأُمَّــة:
تُمثِّلُ المناسباتُ الدينيةُ فرصةً لترسيخ قيم التكافل، التراحم، الصبر، العدل، التضحية، والوحدة، كلها قيم تُساهم في بناء مجتمعات قوية ومترابطة.
كما تُذكّرنا هذه المناسبات بتاريخِ أمتنا المجيد، وتُلهِمُنا روح التحدي للبناء والتقدم ومواجهة التحديات. كما تُتيح هذه المناسبات فرصةً لنشر الوعي بمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وَإيقاظ الضمير الإنساني والمسؤولية الاجتماعية، وتُشجِّعُ المناسباتُ الدينية على التكافل والمُساعدة للفقراء والمُحتاجين، وتعزز روح العطاء والخدمة للآخرين.
بالإضافة إلى استلهام الدروس والعبر من صراع الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” وتعامله مع اليهود وأخذ الحيطة والحذر من صهاينة اليوم وأساليبهم القذرة وعلى رأسها احتلال الأراضي العربية وانتهاك الحرمات والأعراض والقتل والإرهاب بأنواعه والإبادات الجماعية وغيرها من الأساليب القذرة، متجاوِزَةً بذلك حقوقَ الإنسان والأخلاق والقوانين والأعراف الدولية.
- تحصينُ الأُمَّــة من الغزو الخارجي:
تُساهِمُ المناسباتُ الدينية في نشر الوعي بخطورة الغزو الخارجي في جميع أشكاله، من غزو ثقافي، سياسي، عسكري، اقتصادي، وتُحذِّرُ من آثاره المدمّـرة على الهُــوِيَّة والثقافة والأمن الوطني. وتُساهِمُ المناسباتُ الدينيةُ في تعزيزِ الهُــوِيَّة العربية والإسلامية، وتحافظ على التراث الثقافي والاجتماعي؛ مما يُساهم في صدّ الغزو الثقافي الذي يُهدّد قيمنا وَعاداتنا وتقاليدنا.
كما تُذكّر المناسبات الدينية بالوحدة والتمسك بقيم الإسلام العدالة والإخاء؛ مما يُساهِمُ في صَدِّ التدخُّلاتِ الخارجية التي تهدفُ إلى إضعافِ أمتنا وتقسيمها، وتُشَجِّعُ المناسباتُ الدينيةُ على التضحية في سبيل الدين والوطن، ومناصَرة المظلوم، وَتُنمِّي روحَ الجهاد والمقاومة والشجاعة في صدّ العدوان الخارجي. هذا بالإضافة إلى مساهَمَةِ المناسبات الدينية في تشجيع الاقتصاد الإسلامي، وَتُحِثُّ على التكافُلِ وَالمسؤولية الاجتماعية في مواجهة الفقر وَالبطالة؛ مما يُساهم في صدّ الاستغلال الاقتصادي الخارجي.
إنّ التحدِّيَ الحقيقيَّ ليست في إحياء المناسبات الدينية فحسب، بل في فهمِ جوهرِ هذه المناسبات واستغلالها لِتَحقيق أهداف الاستنهاض والتحصين. ويجبُ علينا مُحارَبةُ التعطيل والتشويهِ للقيم الإسلامية، وإعادة الفَهْمِ الصحيح للدين بكل أبعاده؛ لأَنَّ هذا هو الأَسَاس لبناء مستقبل أفضل لأمتنا.
ختامًا، إنّ المناسباتِ الدينيةَ هي فرصةٌ للاستفادة من مُحتواها الحقيقي في استنهاض الأُمَّــة وتحصينها من شتى أنواع الغزو الخارجي. يُجِبُ علينا أن نُدرِكَ قوتَها، وأن نُحارِبَ التعطيلَ والتشويهَ، وأن نُركِّزَ على جوهرِها الديني والاجتماعي، ففي ذلك خير للأُمَّـة ومستقبلها.