مستقبلُ الكيان الوظيفي ورُعاته الإمبرياليين
إبراهيم محمد الهمداني
إن هزيمةَ الكيان الإسرائيلي أمام عملية “طوفان الأقصى”، وفشله وعجزه عن تحقيق أيٍّ من أهدافه، في عدوانه على قطاع غزة، على مدى أكثر من مِئتي يوم، قد تحولت إلى خطر وجودي عليه، ينذر بسوء مصيره، وزواله الحتمي، خَاصَّة وأن هزيمته، لم تقتصر على تمثيله الفردي، في تموضعه الوجودي الجغرافي الاستعماري، وإنما شملت تمثيله الوظيفي الاستعماري، فكانت هزيمة ساحقة، طوت في لعنتها كُـلّ القوى الاستعمارية العالمية، التي سارع قادتها – بكل قبح وصلف واستكبار – إلى المجاهرة بصهيونيتهم، وإعلان دعمهم وإسنادهم، وشراكتهم الفعلية، إلى جانب جيش الكيان الإسرائيلي، في عدوانه وجرائمه ومجازره في قطاع غزة، على كافة المستويات والأصعدة، لكن سقوط أُسطورة الجيش (الإسرائيلي) الذي لا يقهر، قد أسقط معه أساطير الهيمنة والقوة الأمريكية الغربية الأُورُوبية، التي تجرعت ذل الهزيمة وعار السقوط في غزة، أكثر وأمرَّ مما تجرعته ربيبتها “إسرائيل”، وبالتالي يمكن القول إن شركاءَ العدوان الإجرامي على غزة، هم شركاء في الهزيمة والمصير المحتوم، ولن تكون صورة مستقبل وجودهم في المنطقة، أقل قتامة وسوداوية، من صورة مستقبل بقاء كيانهم الوظيفي (إسرائيل).
مما لا شك أن حتميةَ زوال الكيان الإسرائيلي الصهيوني الغاصب، وانتهاء هيمنته على الأراضي الفلسطينية المحتلّة، قد حملت في طياتها، حتمية زوال الهيمنة الإمبريالية بأكملها، ونهاية زمن العربدة الأمريكية الغربية، من المنطقة العربية والإسلامية خُصُوصاً، وبقية دول العالم عُمُـومًا، خَاصَّة وأن أمريكا – حاملة لواء الهيمنة الغربية – قد انكسرت سياسيًّا وعسكريًّا واستخباريًّا واقتصاديًّا، ومُنيت نخبة قواتها، وأقوى وأحدث ترسانتها العسكرية والتكنولوجية، بأخزى وأنكر وأقبح الهزائم المتوالية، التي لم تتوقف عند عجزها عن حماية ربيبتها “الكيان الإسرائيلي”، بل وصلت إلى عجزها عن حماية نفسها وقواتها وأساطيلها، حَيثُ أصبحت مدمّـرات وسفن وحاملات وفرقاطات، من يسمون أنفسهم “أسياد البحار”، هائمة على وجهها فرارا، في أقاصي المحيطات، بحثا عن ملاذ آمن، ينجيها من رعب موت محقّق، تترصدها وتلاحقها ويلاته وأهواله، التي ذاق جزءا منها، على يد القوات المسلحة اليمنية، في الدفاع الجوي، والدفاع الساحلي، والطيران المسير، بضرباتها القاضية المؤلمة، المُستمرّة نصرة لإخواننا المستضعفين في قطاع غزة، وكل الأراضي المحتلّة.
لم تتورع أمريكا، يوماً، عن استخدام حق النقض “الفيتو”، لخدمة وتعزيز موقف وحضور هذا الكيان الإجرامي، دون خجل أَو مواربة، أَو وضع أدنى اعتبار لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، أَو يزيدون، غير مكترثة بعواقب انعكاس ذلك سلبا على حضورها السياسي، ومستقبل تحالفاتها ووجودها في المنطقة، وقد شجعها على ذلك، ضعف وانقسام وتخاذل وعمالة، الأنظمة العربية الحاكمة من جانب، ورسوخ قوة وتسلط ونفوذ، القبضة العسكرية الأمريكية الاستعمارية، على المنطقة من جانب آخر، إلى حَــدّ أن تصريح أصغر ضابط أَو مسؤول أمريكي، كان كفيلا أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، ناهيك عن رعب الفيتو الأمريكي، حين كان بمثابة حكم الإعدام، الذي لا مرد له، ولا طاقة لأحد بمخالفته، أَو الاعتراض عليه.
إن سقوط عامل القوة العسكرية، قد أسقط معه عامل الهيمنة السياسية، ولم يعد للفيتو الأمريكي الإمبريالي، قيمة ولا معنى، سوى ما تكشف عنه يد الإجرام والتوحش الاستعماري، التي ترتفع مثقلة بدماء وأشلاء الضحايا الأبرياء، داعية إلى استمرار آلة الحرب والتدمير، وعمليات القتل والمجازر الجماعية والإبادة الشاملة، وهو ما يسقط عنها – بالتالي – مزاعم التفوق الحضاري، لينتهي بها الأمر إلى قبح صورة الشيخوخة الاستعمارية، الغارقة بين أضلاع مثلث السقوط، تتجرع كؤوس الذل والهوان والعار، في رحلتها الأخيرة إلى الزوال والمصير الحتمي.