“طوفان الأقصى” تطوي شهرها الحادي عشر: مفاوضاتٌ مجمَّدة.. الكلمةُ الفصلُ للميدان وخياراتُ التصعيد مفتوحة
المسيرة | متابعة خَاصَّة
يُعَدُّ الوضعُ الإنسانيُّ في غزة بعد 11 شهرًا من العدوان الإسرائيلي المُستمرّ كارثي بكل المقاييس، على الرغم أن هناك دعواتٍ متزايدةً من المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار وإنشاء ممرات إنسانية آمنة للسماح بتقديم المساعدات الضرورية.
وفي السياق؛ حذّرت الأمم المتحدة، من أن الوضع الإنساني في قطاع غزّة “يتجاوز الكارثي”، وقال “ستيفان دوجاريك” المتحدّث باسم الأمم المتحدة: إنّ “أكثر من مليون شخص في غزّة، لم يحصلوا على حصص غذائية في جنوبي ووسط غزّة عبر الوسائل الإنسانية خلال شهر أغسطُس الماضي.
مزاعمُ أمريكيةٌ للتخدير فقط:
بالرغم من مزاعم وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”، الأخيرة، أنه “تمّ الاتّفاق على 90 % من الصفقة، (صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة)، رغم وجود خلافات تحتاج إلى مزيد من العمل”، إلا أن كُـلّ هذا الكلام هو مُجَـرّد سراب لا أكثر، مع إجماع كُـلّ الأطراف المطلعة على مسار المفاوضات بشكل مباشر أَو غير مباشر أن لا اتّفاق قريب لإنهاء الحرب.
ومن أكثر الأمور دلالة على هذا الصعيد هو، ما قيل عن تراجع في نسبة “التفاؤل” الأمريكي والتي كانت بارزة إلى حَــدٍّ كبير خلال الفترة الأخيرة، خُصُوصاً مع إعلان الرئيس “جو بايدن” عن صوغ “اقتراح جديد” وعرضه على طرفي التفاوض.
ونقلت هيئة البث “الإسرائيلية” عن مصادر أجنبية وإسرائيلية، وأن “بايدن” تتعزز لديه القناعةُ “بأن لا حماس ولا نتنياهو يريدان إبرام صفقة تبادل”، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إعلان المقاومة رفض التفاوض على اقتراحٍ جديدٍ غير ورقة “بايدن” القديمة، ليس رفضاً للتفاوض ووقف الحرب بل رفضاً لإملاءات العدوّ وحليفه الأمريكي وهو الذي يريدُ من خلالها تحقيق صورة نصر لم يحقّقها في الميدان.
المماطلةُ الأمريكية والحديثُ عن التطبيع:
في الإطار، صرّح مسؤولون لشبكة “سي إن إن” الأمريكية أن “عقبات المفاوضات بشأن غزة أثارت شكوك البيت الأبيض حول نهاية الحرب قبل نهاية رئاسة بايدن”، ونقلت القناة نفسها عن ديمقراطي مقرب من البيت الأبيض أن “بايدن أصبح مهووساً بقضية الرهائن ووقف إطلاق النار بغزة مؤخراً”.
وبحسب مراقبين، ليس “بايدن” وحده المهووس بالصفقة دون وجود أي ضغط فعلي أَو إعطاء حلول منطقية، بل إن وزير خارجيته يبدو كذلك أَيْـضاً مع حديثه عن “التطبيع مع المملكة السعوديّة حتَّى قبل انتهاء الحرب”، في وقتٍ لا زال العدوّ يرتكب المجازر اليومية بحق المدنيين في غزة والضفة المحتلّة ويمارسُ أبشعَ أنواع التنكيل بحق الأسرى وهو ما سرّب، أمس بالصوت والصورة من سجونه.
وخلال مؤتمر صحافي في “هايتي”، كان وزير الخارجية الأمريكي “انتوني بلينكن” قد رأى، أن “التوصّل إلى اتّفاق تطبيع بين “إسرائيل والسعوديّة” لا يزالُ ممكناً قبلَ انتهاء ولاية الرئيس “جو بايدن”، مُشيراً إلى أن “الاتّفاق سيتطلّبُ أولاً وقفَ إطلاق النار في غزة، إلى جانب موافقة إسرائيلية على مسار موثوق به نحو قيام دولة فلسطينية.
وقال بلينكن: “أتوقّع في الأيّام المقبلة أن ننقل إلى إسرائيل، وأن تنقل قطر ومصر إلى حماس، أفكارنا، نحن الثلاثة، بشأن كيفيةِ الحل”.
أحلام “بلينكن” نسفها “نتنياهو”؛ إذ ردّ عليه الأخير بأن “التصريح الأمريكي بأنه تم التوافق على 90 بالمئة من الاتّفاق، غير صحيح.. ونحن لسنا قريبين من وقف إطلاق النار في غزة”، ليرد مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض “جون كيربي” بالقول: “رئيس الحكومة “نتنياهو”، يتحدث عن نفسه وعن موقفه، لكن محادثاتنا مع نظرائنا الإسرائيليين ستستمرّ، على الرغم من أن الأمر صعب للغاية، إلا أنه لا يزال بإمْكَاننا التوصّل إلى اتّفاق وقف إطلاق النار، إذَا تم تقديم بعض التنازلات وإظهار القيادة”.
وأشَارَت قناة “كان 11” العبرية إلى أن نتنياهو عقد، مساء الخميس، مشاورات أمنية مع قادة الأجهزة الأمنيّة، ووزير الأمن “يوآف غالانت”، و”رون ديرمر”، لبحث موضوع المقترح الجديد المرتقب من قبل الوسطاء.
وبحسب مصادر، فَــإنَّ الاجتماع نفسه ركز على مواصلة عمل جيش الاحتلال في غزة، بعد أن طلب “نتنياهو” من منظومة الأمن، صياغة إجراءات ردّ على مقتل الرهائن الإسرائيليين الستة الذين عُثر على جثامينهم.
بدورها؛ أشَارَت هيئة البثّ الإسرائيلية إلى تشاؤم إسرائيليّ بشأن مقترح الوسطاء (مقترح بايدن الجديد)، ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين تقديرهم، أن “المقترَح لن يكون مقبولًا من قِبل حماس، ولا من قِبل “إسرائيل”، وذكرت المصادر ذاتها، أن “الجانبين متمسّكان بمواقفهما”.
خططُ وتصرفاتُ العدوّ تتناقض مع التصريحات:
وما يؤكّـد وصول مفاوضات وقف الحرب إلى حائط مسدود، ما تحدث عنه إعلام العدوّ عن خطة لنتنياهو يزعُمُ فيها أن “سحبَ تولّي المسؤولية عن المساعدات من حماس سيؤدي إلى القضاء عليها”، وهو بذلك يتبنَّى توجُّـهاتِ الوزراء في حكومته وفي مقدمتهم “بتسلئيل سموتريتش” و”أوريت ستروك” اللذان يرفضان وقف الحرب ويطالبان، مع وزراءَ آخرين، بتوسيعها والاستيطان في القطاع.
في السياق؛ أشَارَت صحيفة هارتيس العبرية إلى أن خطة نتنياهو “مناقضة لموقف ما يُسمى وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي”، إذ طالب “غالانت” بأن يعلن “نتنياهو ألا تسيطر إسرائيل مدنيا في غزة، ودفع خطة تقضي بأن تحكم قطاع غزة جهة غير حماس”.
ونشر ضباط في جيش الاحتلال في ما يسمى بـ”منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط”، ما أسموه “خطةً لهزيمة حماس”، جاء فيها أن “عملياتِ الجيش الحالية في قطاع غزة ليست مفيدة، مقترحين خطةً مؤلفةً من مرحلتين، يتم خلالها تهجير السكان المتبقين في شمال القطاع والإعلان عنه منطقة عسكرية مغلقة”.
ووُضعت هذه الخطة بمبادرة رئيس شُعبة العمليات الأسبق، الجنرال في الاحتياط “غيورا آيلاند”، الذي يوصف في الكيان بأنه “مُنظِّر” الحرب على غزة، وهو أحد الجنرالات المتقاعدين الذين يتشاور معهم نتنياهو منذ بداية الحرب.
ووفقاً للصحيفة، تعتبر الخطة أنه لطالما أن حماس تسيطر على المساعدات الإنسانية، ليس بالإمْكَان هزمها”، وتقضي بتحويل المنطقة الواقعة شمال محور “نيتساريم”، الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله، إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، وإرغام 300 ألف فلسطيني يتواجدون حَـاليًّا في شمال القطاع، حسب التقديرات، على النزوح خلال أسبوع واحد.