عظمةُ الرسول الأكرم تتضاءلُ دونَها كُـلُّ عظمة

عبدالقوي السباعي

الحديثُ عن رسول الله محمد بن عبد الله -عليه وآله أزكى الصلاة وأتم التسليم- ليس له حَــدٌّ فيعرب عنه كاتبٌ بقلم أَو ناطق بفم؛ لأَنَّه فوق مستوى أن يفي الوصف حقه، غير أني هُنا أحاول أن أرتشف رشفة من ذلك البحر الخضم ذي الماء العذب الفرات لأروي بها ظمأ نفسي، ولأستخرج منها بعضاً من لآلئها النفيسة.

كان “صَلَّى اللهُ عليه وآلَهُ وَسَلَّمَ” في كُـلّ أدوار حياته خير مثال لقادة الأمم وزعمائها عبر التاريخ في البذل والعطاء والتضحية والفداء، وفي الصبر والثبات، والتواضع لله والثقة به، والأخذ بيد الأُمَّــة إلى طرق الحق والفلاح مهما واجه في سبيل ذلك من تبعات.

ثلاثة عشر عاماً أمضاها الرسول الأعظم بين قومه في مكة يدعوهم إلى الله وينهاهم عما كانوا عليه من شرك وضلال، فلم يلق من أكثرهم إلا عناداً وعنتاً وإرهاقاً، فكذبوه وقد كانوا له قبل النبوة مصدقين.. وآذوه وكانوا له من قبل مكرمين.. رموه بالفحش وكانوا له عن ذلك منزهين.. قذفوه بالتهم والأباطيل فصفح عنهم.. دعوا عليه فدعا لهم.. تمنوا له الموت فتمنى لهم الحياة.. رموه بالحجارة فرماهم بالهدى والرحمة، وقال: “اللهم اهْدِ قومي فَــإنَّهم لا يعلمون”.

عظمة محمد (ص)، تتضاءل دونها كُـلّ عظمة في هذا الكون، وخلق خضع له الدهر إجلالاً وإكباراً.. وأهوالٌ لو أُفرغت على الجبال الرواسي لدكتها دكاً، ومرغبات دنيوية لو بذلت لملكٍ من ملائكة السماء، لانطفأ وهجه وسقطت نفسه، لكن نفس محمد “صَلَّى اللهُ عليه وآلَهُ وَسَلَّمَ” كانت أكبر من الدنيا، فلم تعبأ بكل ما فيها وقد بُذلت له فقال: “والله لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهرَه الله أَو أهلِكَ دونه”.

كان “صَلَّى اللهُ عليه وآلَهُ وَسَلَّمَ” أكرم على الله “سبحانه وتعالى” من أن يعرّضه لإيذاء المشركين واضطهادهم، وكان قادراً على أن يلين له القلوب ويخضع له الرقاب، ويُلقي في النفوس قبول دعوته في أقل من عام أَو حتى شهر أَو أقل، لكن الله تعالى أراد أن يكون نبيه الأكرم المثل الخالد للقادة من بعده في تحمل الشدائد والصبر على الأنواء وبذل الروح في سبيل الدفاع عن المبدأ الحق حتى يتم أمر الله.

نفسٌ ملئت بنور الله حتى لم يبق فيها منبت شعرة لم يدخله ذلك النور الإلهي، وفؤاد مُزِجَ بالثقة بالله مزجاً، وهمة جهادية عالية، حتى أصبح ينظر إلى الدنيا، وقد تمالى عليه الأعداء كما ينظر الأسد إلى الضفادع وقد ارتفع أصواتها حوله، وفي هذا درس عظيم لذوي النفوس الضعيفة من قادة العرب اليوم الذين يجزعون من صوت الهرة، ويفزعهم اهتزاز الظل، ويوالون أعداء الله والأمة ويخضعون لهم.

ونحن نحتفي بذكرى مولده الشريف، يجدر بنا أن نتجسد روحية صاحب المناسبة، وهي دعوة لقادة العرب الذين يشاهدون ما يحدث لأبناء جلدتهم في غزة، أن يمرّنوا أنفسهم على أن يكونوا قادة محمديين؛ لأَنَّ الأُمَّــة بقادتها، فإذا رأيت أُمَّـة تتخذ الجهاد مبدأ للتحرّر ورفع الظلم وكبح العدوان، وتضرب في العلم بسهمٍ وافر، وتتبوَّأ في المجد والعزة أريكة، فاعلم أنها ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بدلالة قادتها وسيرهم بها إلى الوجهة التي أرادها الله ورسوله.

وإذا رأيت أُمَّـة مفككة الأوصال منهوكة القوى، تائهة في بيداء الجهالة والتمييع، فاعلم بأنَّ ذلك إما من قادتها الذين ناموا عنها أَو من قادتها الذين وجَّهوها إلى غير الوجهة الحقَّة التي تُوصلها إلى ما أراد الله ورسوله؛ فضلَّت الطريق، وهي تحسب أنها تحسن صنعاً.. وعاشق النبي يصلي عليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com