فما لكُم في المُنافِقين فِئتين واللهُ أركَسهم بِما كسبوا
دُرة الأشقص
هُو مُزَّمِّل، وهو مدَّثِر، وهو طه، وهو ياسين، هو آية، ومُعجِزة الرُسُلِ كلَهم، وهوَ المُصطفى، والُمجتبَى، وهو من حمل الرُكن بِأطراف الرِداء، هوَ سيّد الأُمَّــة، وقائِد ومُّوحِد الأديانِ كلّها، إمام وهادي وَمُنقِذ الأمم، من رجس عِبادة الأوثان، إلى عِبادة الله رب العالمين، وهو المُخلص لِلبشرية، ومُخرجهم من غياهب الظُلم والجهل، والعُبودية.
هو من أرسلهُ الله على حِين غرّةٍ من الرُسُل وجعلهُ الخاتَم، هو البشير والنذير، هو أول من لبّى واعتمر، هو محمد سيِد الكونين والبشر، لِذا قال الإمامُ الأغر (الحُسين عليهِ السلام): “إذَا كانَ دِين مُحمدٍ لم يستقِم إلا بِقتلي فيا سُيُوف خُذيني”.
لِنَعلمَ ولِيَعلمِ العالمُ علم اليقين بأنهُ لن يستقيم الدين ولن ينتصر المسلِمين، إلا بِاستقامة صُفوفِهِم، واعتصامهم والتفافهم حول نبيهم وكِتابهم، فهُما الفصل وليس الهزل، لن تقوم لِلحقِ قائِمة والعدل لن يسود إلا بِقوائِم وركائِز أَسَاسية، والمُتضمنة بِدُستورٍ قوي وكِتاب هِداية يتمثل في القرآن الكريم.
فالمنهجِ الصحيح يتطلَبُ أُناسًا ليسوا كمثلهم من البشر، ناسٌ اصطفاهم واجتباهُم، وخصَّهم بِالرِسالة السماوية؛ لذا فقد كان مِن السُننِ الإلهية، بِأن يبعثُ الله لِلناس رسُولاً من أنفسهم لقوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنفسكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
ولأن الله اختصهُ بِالرحمةِ على المؤمِنين، ولأنهُ كان حريصاً عليهم أكثر منهم بِأنفسهم فقد كان في نفسِ الوقت مأموراً بِأن يُحَرض المؤمنين على قِتال المُشركين ومُقابلِ ذلك الغِلظة عليهم، لا يزالُ الذين نافقُوا وفي قُلُوبهم مرض، يُداهِنون بِأن المُجاهِدين وأنصار الله ليسوا على حق وأنهم يُوقِظون الفِتن، وتجاهلوا أَو تغافلوا وتعاموا عنِ العديد من الآياتِ التي تُحرض على القِتال والجِهاد.
لم يكُنِ المُنافِقينَ بِمَنأى عنِ الأمر؛ فقد كانوا والمُشرِكين الثُنائي الذين تحدثَتِ الآيةُ القرآنية عنهم، وحازوا على النصيبِ الأكبر مِن التحذير والوعيد، الله تعالى حذر الرسول بِأن لا يُطيعِ المنافقِين ولا يأبه لهُم؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
فلِم نَحن نأبهُ لهم ولكلامهم ولتثبيطهم، واستهزائهم بِالمُناسباتِ الدينِية، والشعائِرِ المُقدسة، التي تُقَربنا إلى اللهِ زُلفى، فهم من قال الله عنهم في قلوبهم مرض.
لذلك نحنُ اليوم نرى كَثيراً من الذين قالوا آمّنا وهم لم يؤمِنوا، آمنوا بالعاداتِ الدخيلة، والأفكار المُنحرِفة، والثقافاتِ المَغلوطة، ولم يؤمِنوا بِشَعائِرِ الله، ولا بأعياد المُسلمين المُتمثلة بَذكرى المولد النبوي، ويوم الغدير الذي هوَ يومٌ مميز بالنِسبةِ للِمؤمنين بالله ورسوله والذين آمنوا؛ لأَنَّهُ يوم وِلاية وليٌّ من أولياء الله، ومُعادَاة أعداء الله ورسوله الذين مرقُوا عنِ الإسلام كالسهمِ من السيف، المارقين عن الحق، والخارِجين عن حُدودِ العدل والإنصاف، والساكتين عنِ الظُلم والخانِعين الذين يظُنون أنفسهُم مستضعفين وليسُوا كذلك لِقولهِ تعالى فيهم: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا).
نجِد أن مفهوم الاستضعاف والضَعف كان في غير محله وتفسير كلمة مُستضعفين كان خاطِئاً بِالنِسبة لهم فالمُستضعفون هُم ضِعافُ الإيمان، وضعاف النفُوس وَالموقف، هُم المُحايِدون، والمُصفِقون لِلطواغيت، هم الذين لا يتناهَّون عن مُنكرٍ فعلُوه، وَلا تُوجد لدَيهم النزعة الإيمانية، لا غيرة على الدين، ولا حمّية، على الأرض وَلا على العِرض، هؤلاءِ هُم المُستضعفون الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم، هُم المستضعفون الساكِتون، فهُم الذين لا هاجروا في الأرض ولا جاهدوا، ولا نهوا المُنكر، ولا حاربوا أعداء الله ورسوله.
فالمُسلم الصادِق في إيمانه، وولائِه وانتمائه، لا يَميلُ للِمُنافقين، ولا ينجرّ وراء فلسفة انتقاداتهم وَتحريمهم لِذكرى المولد النبوي الشريف والتي لا تعود على الإسلام والمسلمين إلَّا بِالذُل والخِزي، وترجِع بهم إلى ما قبل البِعثة، وإلى عصرِ الجاهلية، والضيم والظلام.