ولادةُ عالَمٍ جديد بنبيٍّ رشيد
ق. حسين بن محمد المهدي
لقد استضاءت القلوب بنور جديد في ذكرى مولد النبي الحبيب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل ٥٧٠ ميلادية؛ فكان أسعد يوم طلعت عليه الشمس.
وقد حقّق العالم الفلكي الكبير محمود باشا المصري، أن ولادتَه -صلى الله عليه وآله وسلم- كانت يوم الاثنين، ٩ من شهر ربيع الأول عام حادثة الفيل ٢٠ إبريل ٥٧١ ميلادية
وذكر القاضي محمد سليمان المنصور في كتابه (رحمة للعالمين) أن الولادة الكريمة كانت في التاسع من ربيع الأول يوم الفيل فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم ينتهي نسبه إلى معد بن عدنان وينتهي نسب عدنان إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليها السلام.
فلما وضعته أمه آمنة أخبرت جده عبدالمطلب فأتاه وحمله ودخل به الكعبة وقام يدعو الله ويحمده وسماه محمداً.
وقد ظهرت علامات خارقة للعادة لولادة هذا النبي الكريم تشير إلى ولادة عالم جديد، وبعث للإنسانية من جديد.
فقد روى كبار المؤلفين في السيرة ما ظهر عند الولادة النبوية المباركة من علامات خارقة للعادة خارجة عن التأثير البشري لافتة النظر إلى استئناف العالم دوراً جديدًا مسترعية للانتباه لكل من رزق قوة في الاستنتاج والاعتبار، منها ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وغارت بحيرة ساوة، وخمدت نيران فارس التي كانوا يعبدونها ولم تخمد منذ ألف عام.
وكيف لا يكون ذلك وَقد ولد محمد خِتام النبيين وسيد المرسلين، صلوات الله عليه وعلى آله، حَيثُ يقول: كنت نبيًّا وآدم بين الطين والماء، وكان والده عبد الله قد توفي قبله فكفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب.
ورحم الله شوقي، حَيثُ يقول:
تجلى مولد الهادي وعمت
بشائره البوادي والقصابا
وقد أرضعته ثويبة جارية عمه أبي لهب بضعة أَيَّـام، ثم التمس عبدالمطلب لحفيده مرضعة من البادية من قبيلة بني سعد هي حليمة السعدية، فلم تزل تتعرف من الله الزيادة والخير ببركته، ثم توفت أمه آمنة وهو ابن ست سنوات، ودفنت في مكان يسمى (الأبواء) بين مكة والمدينة، فصار يتيم الأبوين، فأكرمه الله وآواه، فقال سبحانه (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) وفي ذلك يقول شوقي رحمه الله:
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة
وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم
فتربى على الأمانة والصدق حتى لقب بالأمين، الأمين في سيرته وَخُلقه وتعامله.
وقد كان أبو طالب أرفق الناس به، وقد اصطحبه حين خرج من مكة في ركب تاجراً إلى الشام، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حين ذاك ابن تسع سنين، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرى فلما رأى رسول الله وما صنع الله له من الخوارق صنع لهم طعاماً واحتفى بهم ونبه أبا طالب إلى علو مكانة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود فَــإنَّه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم.
وقد نشأ نشأة طيبة وكان في شبابه مثلاً للأخلاق الحسنة، والخُلق الرضي، والسلوك المرضي، وتزوج خديجة وهو في ٢٥ عاماً، وتجلت عبقريته حينما أكرمه الله برسالته العظمى، فكأنما ولد العالم من جديد.
وقد كسا الله نبيه لباس الجمال وألقى عليه محبة ومهابة مع أعباء النبوة والدعوة يتجلى فيه الشعور الإنساني الرقيق، والعاطفة الإنسانية النبيلة، وكان على رفقه ولين كنفه وقوة احتماله وتغاضيه عن سقطات الناس وزلاتهم، شديد الحفاظ على أصالة الدين، شديد الغيرة على روح الإسلام وتعاليمه، وعلى عقيدة التوحيد الذي جاء بها، شديد الحذر، مما يعرض أمته لخطر التورط في الأوهام، والمغالاة، وتقديس الأشخاص، والعودة إلى الجاهلية لا تأخذه في ذلك هوادة، ولا تمنعه من الإنكار مصالح قيادية أَو اعتبارات سياسية، فقد جاء بالحق وصدق به وعمل به، ونفع الله بهديه، ويرحم الله شوقي، حَيثُ يقول:
يا جاهلون على الهادي وسيرته
هل تجهلون مكان الصادق العلم
لقبتموه أمين القوم في صغر
وما الأمين على قوم بمتهم
جاء النبيون بالآيات فانصرمت
وجئتنا بحكيم غير منصرم
خططت للدين والدنيا علومهما
يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
أحطت بينهما بالسر وانكشفت
لك الخزائن من عِلم ومن حكم
أخوك عيسى دعا ميتًا فقام له
وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
البدر دُونك في حُسن وفي شرف
والبحر دونك في خير وفي كرم
يا رب هبت شعوب من منيتها
واستيقظت أمم من رقدة العدم
سَعد ونحس وملك أنت مالكه
تُديل من نِعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته
أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول العالمين بنا
ولا تزد قومه خسفًا ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلمين به
فتمِّم الفضل وامنح حسن مُختتم
والمؤمن بطبيعته يُسَرُ ويفرح بفضل الله ونعمته عليه، وميلاد الرسول الأعظم نعمة وبعثته رحمة يفرح المؤمن بها (قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) فاتِّخاذ المؤمنين يوم مولد النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أَو يوم بعثته يوم فرح وسرور بما امتن به الله على البشرية من الرحمة والخير هو خير.
فمولده ونبوته ورسالته نعمة ورحمة، فهو رحمة الله التي عم بها كُـلّ مخلوق على مر الأبد.
والعيد يستعمل في لغة العرب: لكل يوم فيه فرح وسرور، وذلك الفضل من الله.
وقد سأل الله عيسى بن مريم -عليه السلام- أن ينزل مائدة من السماء لتكون عيداً فقد حكى الله عنه (اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) أي يكون يوم نزولها يوم فرح وسرور، عيداً نعظمه لما أكرمهم الله به من نزول المائدة آية دالة على صدق نبوة عيسى عليه السلام.
فالعيد هو السرور العائد في تلك المناسبة مرة بعد مرة، والاحتفال لحصول النعمة العظيمة من الله والآية الفخيمة هي دأب الصالحين ومنهجهم، دليل ذلك ما جاء في القرآن العظيم المنزل على سيد المرسلين محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، قرآن يتلى إلى يوم الدين.
فأين المسلمون اليوم من الحفاظ على شريعة الله، الذي جاء بها رسوله هدى ونوراً للعالمين، أين المؤمنون من الاقتدَاء بسيرة هذا النبي الكريم، أين الأسود الغاضبة لغضب الله مما يجري في أرض فلسطين من قبل الصهيونية اليهودية، أين هم من تجديد معالم الدين، والاقتدَاء بقائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- الذي اتبع النبي الكريم ومعه أنصار الله من أبناء يمن الإيمان والحكمة الذين ما فتئوا وما استكانوا وما ضعفوا في جدهم وجهادهم للعدو الصهيوني، وأن النصر بإذن الله حليفهم (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (ذلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).