لا يعظِّمون شعائرَ الله..!
غازي منير
أيُعقَلُ أن قلوبَ أبناء أُمَّـة محمد، أُمَّـة الإسلام، أُمَّـة القرآن قد أماتت نبيَّها إلى الحد الذي يجعلُ من تعظيمه وإحيائه ورفع ذكره بدعةً؟ بل يوم ميلاده يواجه بسخط واستنكار يثير الدهشة تجاه من يرفعون الرايات والأعلام الخضراء والبيضاء التي تعبر أن في يوم ميلاده جاء النور إلى الأرض ودحض الظلام.
إن كُـلّ أُولئك الذين لا يعظمون شعائر الله، والتي أَسَاسها وأولها محمد رسول الله هم حقاً قد أماتوه في قلوبهم إلى هذه الدرجة ولم يكتفوا بهذا فحسب، بل إنهم أحيوا أشخاصاً وأعلامًا آخرين كان الرسول الأكرم ذاته يواجههم بسخط وقاتلهم وهم اليهود والنصارى، الذين هم أشد عداوة لنا ولديننا ولنبينا، والذين لا يريدون لنا من خير من ربنا، والذين يعضون أناملهم غيظاً وحقداً وحسداً من عند أنفسهم لنا، والذين يريدون أن يردونا عن ديننا، والذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة.
انظر إلى خبثهم وعداوتهم تجاهنا وتجاه نبينا ومقدساتنا، ويتجلى ذلك في فلسطين وأفغانستان والعراق واليمن وسوريا، وما من أرض يدخلونها إلا ويعيثون فيها الفساد والقتل بالجملة والجرائم الشنعاء التي يندى لها جبين الإنسانية والتاريخ، وما يحدث في غزة منذ 12 أشهر وحتى اللحظة لهو خير دليل وبرهان على خبثهم وإجرامهم ووحشيتهم وهمجيتهم.
أُولئك الذين يسخطون عند إحيائنا لذكر من رفع الله ذكره، نشاهدهم بأم أعيننا يبتهجون فرحاً عند مجيء مسؤول أمريكي أَو إسرائيلي أَو بريطاني أَو فرنسي إليهم، بل إنهم يتنافسون في من يلقي المودة إليهم أكثر، وتغمرهم السعادة حين يتصافحوا معهم ويجلسوا على طاولة واحدة ليشربوا من كأس الذل التي سيذوقونها حتماً يوماً ما، وستظل لعنة تلاحقهم إلى أن تحيط بهم في الدرك الأسفل من النار.
ولكن لا يأس من كُـلّ هذا النفاق الذي جعل من ذكر النبي الأكرم بدعة، ومن قتل وحصار المستضعفين دفاعاً عن النفس كما يزعمون، فلا يزال هناك مؤمنون، مجاهدون، أنصار لله ولرسوله الكريم، نبيهم وأسوتهم الحسنة الذي يقتدون به، معلمهم ومربيهم الأول في كَثير من أصقاع هذه الأرض وهم يعملون بكل جد واهتمام لمواجهة الطغاة الظالمين وتطهير الأرض من رجسهم.
وقد شاهدنا لوحات فنية لا نظير لها رسمها الشعب اليمني المحمدي الأصيل في ميدان السبعين وفي عدة محافظات وهم يهتفون جميعاً: “لبيك يا رسول الله” وهي قولاً وفعلاً رسالة قوية إلى من تسول لهم نفوسهم بالإساءة إلى القائد العظيم الذي علمنا القرآن والجهاد في سبيل الله ونصرة دين الله وعباده المستضعفين في الأرض ومقارعة كُـلّ الطغاة والجبابرة، وهو النبي الأكرم “صلى الله عليه وآله وسلم”، وقد أخبرنا الله في كتابه الكريم ما يملأنا يقيناً بشرعية ما نقوم به وببُطلان ما هم عليه ويدعون إليه.
ففيه يقول لنا الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ) ورسول الله هو رحمة مهداة إلينا، وسنفرح بذكراه وسنعظمها فهي من شعائر الله التي أمر بتعظيمها (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) وسنرفع ذكر من رفع الله ذكره (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
لن يكونَ للأُمَّـة الإسلامية رفعة في هذه الأرض إلا حين ترفع ذكر من رفعه الله وتعود إليه وتقتدي به في أخلاقها وصدقها وجهادها وثقافتها ومبادئها وفي كُـلّ شيء، وتكون على النحو الذي كان عليه تماماً، وإلا فَــإنَّها ستظل تائهة في الأرض مستضعفة، مقهورة، تعاني ممن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
ولكن هيهات أن نصدّق من قال عنهم الله: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) ويقولون عن الاحتفاء بيوم ميلاد النبي الأكرم -صلوات الله عليه وآله- بدعة؛ فنحن عدنا إلى رسول الله وأهل البيت -عليهم السلام- وارتوينا من ثقافة القرآن التي ستنفض غبار ذل الأُمَّــة الإسلامية، ويكون الدين كله لله، وتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتخيب كُـلّ رهانات وتوقعات كُـلّ من ينحرفون عن هذا النهج السوي العظيم.
(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).