القتلُ غدرًا سلوكُ المفسدين
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن من بعد مطمعه قرب مصرعه، وأن من يزرع الفتن يحصد المِحن، فليس الفهم كالوهم، ولا النظر كالخبر، فمن غَالب الله غُلِب، ومَن أَفسَد في أرضه ضُرِب وعُذِب، ولذلك نهى الله العباد عن الفساد، فقال سبحانه: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إصلاحها)، فمَن كَثُرَ فَسادُه دَنى هلاكه، وما من فساد أكبر من سفك دماء العباد.
فالقتل أكبر الجرائم الإنسانية على الإطلاق إذَا ما استثنينا الكفر بالله فقط؛ فإنك إذَا أردت أن تبالغ في وصف جريمة لا تزيد على أن تشبهها بالقتل، وأما القتل فليس لك أن تشبهه بأية جريمة.
فالجرائم كلما كانت أكبر فساداً في الأرض من غيرها كانت أكثر ضرراً.
وإذا تتبعت الجرائم واحدة واحدةً فإنك لا تجد لواحدة منها فساداً يساوي فساد القتل أبداً، وفي ذلك يقول العزيز الحكيم: (مِنْ أجل ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إسرائيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً).
فالقتل أثره الموت، والموت خراب الدنيا وقطع مدد الآخرة، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).
إن القسوة والجُرأَة الذي تحلت به الصهيونية اليهودية وأقدمت بالاعتداء غدراً على الآمنين بتفجير البيجرات وإصابة المئات من بني الإنسان في لبنان متلذذين فرحين بسفك الدماء مما ينبئ عن شدة عداوتهم وقسوة قلوبهم، فليس في نفوس الحيوانات من الثعابين والحيات والأفاعي والقرود والخنازير والحشرات السامة مثلما في نفوس هذه الطائفة الصهيونية اليهودية، التي استمرأت القتل وسفك الدماء في فلسطين ولبنان وسوريا، وكأنهم بهذه الأفعال يكتبون على أنفسهم الفناء العاجل في الدنيا والعذاب الدائم والخلود في النار، فقد جاء في الحديث أنه: “لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم” “ولو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار”.
فلا يظن هؤلاء الصهاينة المتماهون في الفساد، والذي ملأوا المستشفيات بالقتلى والجرحى أنهم سيفلتون وينجون من العذاب في الدنيا والآخرة، هيهات فذلك مما يزيد المؤمنين قوة وعزيمة وإصرارا على رد الصاع صاعين، وعلى التحشيد للقتال وتطهير الأرض من هؤلاء المفسدين.
ففسادهم يحكم بزوالهم، وقد أخبر الله عن ذلك في القرآن الحكيم الذي أنزل على النبي العظيم فكان آية مصدقة لما جاء في القرآن الحكيم (وَ قَضَيْنا إلى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً، فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا، ثُمَّ ردّدنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأموال وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أكثر نَفِيراً، إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأنفسكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً).
فقد تضمنت آيات القرآن العظيم خبراً إلهياً لبني إسرائيل أنه لا بُـدَّ أن ينحرفوا عن دينهم، ويفسدوا في الأرض مرتين، وتوعدهم الحق سبحانه وتعالى أن يسلط عليهم عباداً أولو بأس شديد ينزلون بهم من أنواع الإهانة والذل ما ينزلون، وقد نفذ سبحانه وتعالى الوعد في الفساد الأول، وها هو الفساد الثاني يأتي على مرأى ومسمع من العالم والله لا يخلف الميعاد.
فإفسادهم في الأرض، وانتهاكهم للحرمات دليل على دنو حتفهم، وعما قريب يرفع المؤمنون من أنصار الله وحزبه أهل البأس الشديد ألوية العز والكرامة على الأرض المحتلّة في فلسطين وَالأقصى الشريف.
فيا أبناء الإسلام ويا أبناء الإيمان استمعوا واعملوا بما خاطبكم به الرحمن: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)، ويا أيها المتثاقلون والمتخاذلون لم لا تنهون عن المنكر، فإذا كنتم قد نسيتم ما وعد الله به فتتدبروا قول الحق سبحانه وتعالى: (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
تهانينا لقائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- بمناسبة ٢١ من سبتمبر المناصرة للشعب الفلسطيني، وتعازينا له ولكافة الأُمَّــة الإسلامية في حادث لبنان الأليم.
وتعازينا الحارة للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله -يحفظه الله- ولأهالي وأقارب الشهداء في أرض لبنان، فثقوا أيها الأعزاء أن هؤلاء القتلى شهداء (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) فهنيئاً لهم الشهادة والعزة والنصر للإسلام، والأجر للصابرين المحتسبين من أهالي الشهداء وأقربائهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).