من تحت الرماد والركام: صواريخُ حزب الله تنهضُ لتبدِّدَ المزاعمَ الصهيونية الأمريكية
رحل سيدُ المقاومة وكان آخر ما قاله: “لن تنفصلَ جبهةُ لبنان عن جبهة غزة، ولن نترُكَ غزةَ وحدَها”، ومن تحت الركام يبرز حزب الله ململماً جراحه وينهض مجدّدًا لاستكمال مسيرته، كقوة مقاومة لا تنتهي، ومشروع مُستمرّ لا يتوقف رغم أن المصاب كبير ومؤلم.
ما قدمه حزب الله وفي القلب منه أمينه العام الشهيد السيد حسن نصر الله للمقاومة الفلسطينية لا يمكن أن يُنسى، لقد وضع مقدرات الحزب تحت تصرف المقاومة الفلسطينية تسليحاً وتدريباً وتمويلاً، واعتبر أن معركة شعب فلسطين نحو التحرير هي معركة حزبه ومقاومته.
مسارُ التحول والاستراتيجيات المتوقعة للمعركة:
في سياق الحرب الممتدة منذ السابع من أُكتوبر 2023م، يشكل ما تمر به المنطقة العربية تحولاً غير مسبوق في مسارات مستقبلها، ويُعتقد أن المسار الذي رسمه المجرم “نتنياهو” والأهداف التي وضعتها حكومته بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، تعطي انطباعاً واضحًا أن كيان الاحتلال يسعى للوصول إلى سيناريوهات تضمن تفوق استراتيجيته عليها.
ويرى مراقبون أن من أبرز السيناريوهات التي سلكتها ماكينة الحرب الإجرامية الصهيونية، ذلك الهجوم الوحشي الذي طال ضاحية بيروت الجنوبية والذي أوقع عشرات الشهداء ومئات الجرحى، ناهيك عن حالات النزوح المتواصل.
يزعم كيان الاحتلال أن سلسلة الأحزمة النارية التي شنها في حارة “حريك”، واغتياله الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، برفقة عددٍ من القياديين، سيمنحه نصراً ونجاحاً لاستراتيجيته التي أبرزها “نتنياهو” في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي راهن على أنها ستجعل من الشرق الأوسط جنةً أُخرى، حَــدّ زعمه.
وفي الاستهداف الآخر، زعم العدوّ ضرب القدرات البحرية للمقاومة، مدعياً أنها تتواجد أسفل المباني، وكعادته يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي، اختيارَه أوقاتَ الليل؛ لإعطاء ضرباته رونقاً خاصاً، في إطار العمليات النفسية، من خلال إظهار وتعظيم الحرائق وألسنة الدخان وبث الرعب في نفوس النساء والأطفال.
وبعيدًا عن نتائج هذه العمليات، فقد اعتادت المقاومة الإسلامية اللبنانية -حزب الله- منذ تأسيسها على التضحية بقادتها وتقديمهم شهداء نصرة للحق، بيد أن قيادة العدوّ الإسرائيلي لا تزال تعتمد نفس الاستراتيجية التي لم تفلح يوماً في إيقاف المقاومة.
والمتأمل سيدرك أنهُ ومنذ تأسيس حزب الله ودماء الشيخ “راغب حرب”، مُرورًا باغتيال الأمين العام السابق السيد “عباس الموسوي”، وُصُـولاً إلى القادة الشهداء من “مغنية” إلى “بدرالدين” و”شكر” و”عقيل”، والمقاومة لم ولن تتزعزع، بل على العكس دائماً فكان حزب الله يخرج أقوى وأقوى.
وهنا؛ يشير مراقبون إلى أن الوفاء لدم السيد نصر الله يعني التزام الحزب باستكمال مشروعه؛ مما يجعل من الصعب إيقافه، ورغم أن قواعد اللعبة قد تغيرت بشكلٍ كبير، لافتين إلى أن هناك تحولات مهمة ستحدث؛ مما يضع الجميع في مراحل حساسة وخطيرة.
شاهدٌ منهم: “الابتهاج باغتيال نصر الله انحدارٌ جديدٌ للمجتمع الإسرائيلي”
في السياق، كتب الصحفي الصهيوني “جدعون ليفي” مستنكراً أن صحفيًّا ليست لديه أدنى فكرة عن وظيفته وزَّع الشوكولاتة على المارة على الهواء مباشرةً؛ احتفاءً بعملية قتل، مؤكّـداً أنه لم يسبق للكيان أن انحدر إلى هذا المستوى المتدني.
وَأَضَـافَ في عموده بصحيفة “هآرتس” العبرية، أن “حجم الوفيات التي تسببت فيها القنابل الأمريكية الـ80 لم يتضح بعد، علماً أن الأرقام لن يكون لها أي تأثير في “إسرائيل”، سواءٌ أكانت 100 أَو ألف مدني بريء، بل حتى موت عشرات الآلاف من الأطفال لن يغير أي شيء في المزاج الإسرائيلي، حسب ليفي.
وتساءل الكاتب: “هل كان وضع “إسرائيل أفضل صباح الأحد، مما كان عليه صباح الجمعة؟” وقال: إن “مزاج أغلب الإسرائيليين تحسن بعد عام كئيب، وإنهم عادوا إلى عبادة المؤسّسة العسكرية وتبجيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكن ما الذي تغير؟ إن لم يكن اختيار حسن نصر الله للموت؛ لأَنَّه كان عدوًّا لَدودًا لإسرائيل وللبنان، ومع ذلك فقتله لن ينقذ إسرائيل”.
وختم “ليفي” بأن البركان سوف ينفجر ذات يوم سواءٌ أكان نصر الله ميتاً أَو حيًّا، مع أن إسرائيل التي تعتمد على أمريكا في المذابح في غزة والحرب في لبنان تعتقد أنها تستطيع أن تستمر على هذا النحو إلى الأبد، ولا ترى أي خيار آخر، مع ذلك لن يكون ممكنًا من دون دعم واشنطن التي لن تظل على هذا النحو إلى الأبد؛ نظرًا لاتّجاهاتها الانعزالية”.
حزبُ الله.. نهوضٌ متجدد:
في الإطار؛ كان من المهم الانتظار لمعرفة كيف سيكون موقف حزب الله، حَيثُ ستحدّد هذه المواقف الخطوات التالية له، وهذا ما حدث؛ إذ نشر الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية بياناً بالعمليات التي استهدفت مواقع وقواعد وانتشار جيش العدوّ الإسرائيلي شمالي فلسطين المحتلّة، يومَي السبت والأحد.
وفقًا للبيانات فقد تم استهداف مستعمرة “كابري” بصلية من صواريخ “فادي ١”، كما تم استهداف قاعدة ومطار “رامات ديفيد” بصلية من صواريخ “فادي 3″، كردٍّ على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين.
واستهداف تحَرّك لجنود العدوّ الإسرائيلي في موقع “الصدح” بقذائف المدفعية، ومستعمرة “ساعر” بصلية صاروخية، ومستعمرة “روش بينا”، ومستعمرة “متسوفا” بصلية صاروخية أَيْـضاً.
إلى ذلك؛ تم استهداف مستعمرة “معالوت” بـ50 صاروخًا، ومستعمرة “كتسرين” بصلية صاروخية، كردٍّ على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين، ونشر الإعلام الحربي في المقاومة مشاهد من عملية استهداف سابق لمقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة “دادو” ومنطقة صفد شمال فلسطين المحتلّة.
والأحد، أعلنت المقاومة الإسلامية مواصلتها عملياتها وتصديها للعدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة، وعلى لبنان، وأكّـدت قصف مجاهديها معسكر “أوفيك” بصلية من صواريخ “فادي 1″، كما استهدف المجاهدون تحَرّكات لجنود العدوّ في مستعمرة “المنارة” ومستعمرة “ساعر”، بالأسلحة الصاروخية.
وبحسب مراقبينَ، فَــإنَّ حزب الله سارع ليؤكّـدَ فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه، فلم تهدأ الراجمات الصاروخية التي غطت البقع الجغرافية لمناطق الجليل الأعلى والأسفل، وُصُـولاً إلى شرقي حيفا وتل أبيب، مُرورًا بالجولان المحتلّ، وبضربات مكثّـفة ومركزة ومنظمة؛ لتثبت أن منظومة القيادة والسيطرة للمقاومة لا تزال سليمة، ولم تتأثر بعمليات الاغتيال، والغارات المتواصلة.
بعد هذه النتائج، يجد المجرم “نتنياهو” نفسه أمام مأزِقٍ جديد؛ إذ لم يفلح رغم الهجمات الجنونية التي طالت الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية في تحقيق هدفه، بل على العكس، باتت تضج الملاجئ الإسرائيلية بما يصل إلى أكثر من مليون مستوطن يوميًّا نتيجة الضربات المتواصلة.
وفيما لا يزال حزب الله يعمل وفق استراتيجيته المعهودة، بهدوء وذكاء مطلق في التحكم بسير العمليات، حتى أن معظم أسلحته بما في ذلك النوعية، لا تزال خارج الخدمة، وهذا ما صرحت به الكثير من المراكز البحثية والوسائل الإعلامية أبرزها، الصحيفة العبرية “يديعوت أحرونوت” التي قالت: “إن حزب الله لم يستخدم سوى 10 % من قدرته”.
لذلك ووسط زخم النشوة من المتوقع أن يكثّـف جيش الاحتلال الصهيوني من هجماته على ضاحية بيروت، ومن ثم سينتقل للعملية البرية؛ سعياً لتحقيق هدفه، لكنه سيدرك عندها أنه ارتكب أكبر خطأ استراتيجي عند دخوله الأراضي اللبنانية؛ لأَنَّ المقاومة أعدت العدة جيِّدًا، وتنتظره بكثير من المفاجآت.