رغم عظيم البلاء.. حزبُ الله يستعيدُ زخمَ عمليّاته وشعبه لن يستكين
سُندس الأسعد *
قام الكيان الصّهيوني على الإبادة والتّهجير والاغتيال الغادر بحقّ قيادات وعناصر المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة. آخرها كان اغتيال قائد المقاومة اللبنانية، سماحة الشّهيد السّيّد حسن نصر الله.
لقد صدَق المريض النّفسي السّادي الإرهابي الصّهيوني، بنيامين نتنياهو، حين ادّعى أنّ عمليّة الاغتيال ستكون “نقطة تَحوّل تاريخي”، لكن في سياق مختلف عن ذاك الذي تَوَهّمه هو ونظام الإرهاب الأمريكي. هو لم يحسب لجريمة حمقاء أقدم عليها سلفه المجرم رابين حين اغتال القائد السّابق للمقاومة، سماحة السّيّد عباس الموسوي في 1992، فوُلد خلفًا له قائد أشدّ صرامة في المقاومة جرَّع الكيان -طوال ثلاثة عقود- هزائم نكراء متتالية، أذلّه، ومرَّغ أنفه المتغطرس بالتّراب.
مُكرّرا تهديده أن طيرانه الحربي قادر على معاقبة أي طرف معادٍ لـ “إسرائيل” أَو يفكّر بإيذائها، ووسط صمت ولامبالاة أنظمة عربيّة وإسلاميّة، ظنّ نتنياهو -الذي أذلّه هجوم 7 تشرين الأول إذلالاً لا سابق له- ظنّ أن جريمته ستغلق الحساب مع قائد انتصار 2000 و2006، وبالتالي تكسبه المنافسة الانتخابيّة في كيانه المتضعضع، حَيثُ إن من يقتل أكثر يحوز النّسبة الأكبر من أصوات الصّهاينة المتعطّشين للدّم.
وسط استمرار الغارات الإسرائيليّة على أكثر من منطقة لبنانيّة، وفي ظلّ الغموض الذي يكتَنف الوضع القيادي لحزب الله، والحملة الدّعائيّة الكاذبة والفتنويّة التي تقودها “إسرائيل” وحلفاؤها سياسيًّا وإعلاميًّا بشأن خذلان إيران للمقاومة، يواصل حزب الله عمليّاته النّوعيّة على الحدود ضدّ العدوّ ومواقعه وُصُـولاً إلى حيفا، مرغمًا نحو مليون مستوطن على الاختباء كالجردان في الملاجئ.
بلا جدال، لن يحيد أتباع مدرسة السّيّد نصرالله عن ثوابته وأوّلها وقف حرب الإبادة في فلسطين ولبنان. بفضل صمود المقاومتين اللبنانيّة والفلسطينيّة، الانتصارات -المخابراتيّة الجويّة- الوهميّة ستتراجع تدريجيًّا.
قيادة المقاومة ستُكمل نهج الوعي والنّبل والبسالة والتّضحيّة للسّيّد نصرالله. وهذا الكابوس سيثقل حتمًا أذهان الأعداء الصّهاينة وأذنابهم المبتهجون بما يرتكب، والسّاعون سعيًا حثيثًا لإقناع النّاس بأنّ المقاومة سقطت وأن قضيّتها خاسرة. خاب هؤلاء والله.
سياسيّون وأكاديميّون صمتوا فباتوا شراكة في الإبادة، وخسيسون شمتوا وغرّتهم نشوة الدّم. إذَا كانت قصّة كربلاء حيّة بعد 14 قرناً، فَــإنَّ على الذين نفّذوا وفرحوا بقتل السّيد نصرالله ألا ينسوا بأنّ السّيد نصرالله بات رمزاً مُخلّدًا أبديًّا لكلّ ثائر بوجه الظّلم، وبأنه استشهد دفاعاً عن فلسطين، عن اليمن، عن شعوب الخليج الفارسي المهمّشة، وغيرها من القضايا العادلة.
رغم كُـلّ الجهل والضّغينة والتّشويه والخذلان، عاش السّيد نصرالله حتى آخر لحظة من حياته يفكّر في أن قتال اميركا و”إسرائيل” واجب قيمي على كُـلّ حرّ.
في أدبيّات جبل عامل وتاريخه البطولي: لا خنوع ولا استسلام. ما خطّط وعمل له السّيد نصرالله ورفاقه منذ أربعين عاماً سينتج نصرًا تاريخيًّا حاسمًا. مقاومة أسّسها الإمام الخميني ورعاها الإمام الخامنئي والسّيد إبراهيم رئيسي، ودعمها شهداء الحرس الثّوري وفي طليعتهم الشّهيد الحاج قاسم سليماني.
منذ ١٩٨٢، شعب المقاومة، بإمْكَانيّات متواضعة، نهض مدافعًا عن حقّ مشروع يَعرف أن كلفته غاليّة جِـدًّا. اليوم، يَلفُّنا الحزن، يُمرمر قلوبنا، نحن أنصار المقاومة، أبناء السّيد نصرالله، لكنه حُزن صادق لا تُؤثّر فيه حملات التّهويل. لقد أحدث فينا استشهاده يقظة ثوري وغليان انتقامي، وكما علمنا فَــإنَّا لو خسرنا أغلى ما نملك لن نتنازل عن الجهاد. سنحمي المقاومة من كُـلّ سوء مهما تعاظمت الأثمان. نعم هي أَيَّـام قاسيّة نعيشها، هُجِّرنا قسرًا من بيوتنا، فقدنا أبسط مقوّمات العيش، لكنّنا لن نتراجع ولو بقينا وحدنا في ساحة النّضال.
مجاهدونا لم يُكسَروا كما يعتقد أَو يُروِّج العدوّ، وما على المراهنين السّذَّج إلّا انتظار نهاية هذه الجولة من الحرب المُستمرّة حتّى زوال الكيان الوحشي.
* صحافية لبنانية