نصرٌ من الله وفتحٌ قريب
بشرى خالد الصارم
في الذكرى الأولى من عملية (طُـوفَان الأقصى) التي كانت في يوم 7 من أُكتوبر للعام الماضي، نحيي هذه الذكرى في ظل واقع ما زال فيه الوضع الدامي في صفوف العدوّ الإسرائيلي على قدم وساق، ويشهد حدته في معركة مصيرية يسطر ملاحمها مجاهدو وأبطال المقاومة الفلسطينية بكامل فصائلها وكتائبها، بجانب وإسناد الفعلي والعسكري لمحاور المقاومة الأُخرى.
كان توقيت عملية (طُـوفَان الأقصى) يتزامن مع تداعيات العدوّ الأمريكي في وضع لمساته الأخيرة في ما يسمى صفقة السلام التي تضم دولة المهلكة السعوديّة مع العدوّ الإسرائيلي، فقد كانت أمريكا حريصة لتوسيع دائرة التطبيع مع دول أُخرى، فأتت عملية (طُـوفَان الأقصى) لتعقيد مسار اليمين المتطرف في “إسرائيل” على مواصلة أجندته الرامية في تصفية القضية الفلسطينية كحد أدنى من العواقب لهذه العملية، حَيثُ أصبحت هذه العملية أولى العواقب الكبيرة لهذه الأجندة، وقد غيَّرت هذه العملية معادلات القوة، واستراتيجية الصراع، واستراتيجية المقاومة الفلسطينية في أكثر من مستوى.
فعلى مستوى الاستراتيجي فقد شهدنا إخفاقَ صفقات التطبيع والرعاية الأمريكية في ضمان أمن الكيان المحتلّ، إضافة إلى فشل كبير لمجتمع الاستخبارات الصهيوني وخططه في احتواء الفلسطينيين رغم ما يمتلك من قدرات مالية وأجهزة متطورة، ومن وسائل تقنية وكوادر بشرية عالية المستوى من التدريب والمهارة.
إن تداعيات عملية (طُـوفَان الأقصى) على الصراع الصهيوني، وعلى الوطن العربي قد تعمل على إعادة تشكيل هذا الصراع من جديد، فعلى المستوى السياسي؛ مثلت هذه العملية نجاح فلسطيني في اختيار اسم وتوقيت العملية التي واكبت نصر أُكتوبر المجيد في 6أُكتوبر 1973م بالإشادة على توظيف الحقائق بشكل يسهم في كسر الصورة النمطية عن الجندي الصهيوني وعن الجيش الذي لا يُقهر، فهذه العملية وهذه المعركة البطولية أعطت انطباعاً للعالم أن المقاتلين الفلسطينيين يمتلكون قدرات خارقة، ترتكز على الشجاعة والذكاء، وعلى الإقدام وصدق القضية وثبات الموقف وحق الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم، بخلاف جنود الاحتلال الذين يعتمدون على قوتهم النارية الحربية.
تكتيك وتخطيط عملية (طُـوفَان الأقصى) أتى من واقع أن المقاوم الفلسطيني قادر على اختراق أمن العدوّ تحت معادلة تسمى أن العدوّ أوهن من بيت العنكبوت.
فقد جهّز المقاوم الفلسطيني في الـ7 من أُكتوبر عملية نوعية لم يكن يتوقعها العدوّ، حَيثُ إن عملية (طُـوفَان الأقصى) كانت في قمة النجاح والتنكيل بالعدوّ، ففي مستهل الهجوم تم إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف من قطاع غزة بالتزامن مع عملية توغل نفذها مجاهدون مسلحون باستخدام طائرات شراعية معلقة عبر الحدود، وبمُجَـرّد هبوط المجاهدين بطائراتهم الشراعية أمّنوا المنطقة حتى تتمكّن وحدة مجاهدين مسلحة من اقتحام الجدار الإسرائيلي الحصين مع غزة، الجدار الذي يبلغ طوله أكثر من 60 متراً على طول قطاع غزة، وهو مزود بمئات الرادارات والكاميرات وأجهزة الاستشعار، وهو يتصل بنظام أسلحة يمكن التحكم به عن بعد، ورغم ذلك تم اختراق الحاجز، فتمكّن المزيد من المجاهدين من الدخول، فيما هاجمت وحدة من المجاهدين مقر القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي وشوشت على اتصالاته ومنعت الأفراد من التواصل مع قاداتهم. أما الجزء الآخر من العملية فقد شملت نقل الأسرى إلى غزة وهو ما تحقّق في الغالب بوقت مبكر من الهجوم؛ مما أَدَّى إلى إرباك في جميع أجهزة العدوّ الأمنية والاستخباراتية، وكبدته خسائر كبيرة وفاضحة تداعت قوة هذا الجيش “الذي لا يُقهر” بدءاً من عملية (طُـوفَان الأقصى) إلى عملية بئر السبع الفدائية التي كانت في ليلة ذكرى هذه العملية.
عملية (طُـوفَان الأقصى) عملية بطولية يعتز بها ويفخر كُـلّ مقاوم حر شريف، وسيخلدها التاريخ ولن تمحو من سماء المقاومة الأبية مهما كانت جرائم العدوّ الذي يحاول محو فشله وهزيمته بارتكابه للمجازر واغتيال قادة للمقاومة، وكذلك لن ينساها هذا العدوّ وسيظل يستذكرها مع كُـلّ عملية فشل له، ذلك وإن الله موهن كيد الكافرين.